دا سلفا نصير الفلسطينيين
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 4 مارس 2024 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
صوت الضمير الإنسانى، لا يمكن خنقه، فهو لا بد أن يصدع بالحق على ألسنة من يسلكون الطريق الوعرة، أولئك الذين يتحلون بالشجاعة فى التعبير عن مساندتهم للمستضعفين فى الأرض، وإن تكالبت عليهم الذئاب والضباع من كل صوب، ومن هؤلاء الرئيس البرازيلى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذى اختار مناصرة الفلسطينيين، والدفاع عن قضيتهم، غير مبالٍ بهجوم الإسرائيليين والمنظمات الداعمة لتل أبيب، تلك التى وصفت الرجل بأحط النعوت.
لم يخش دا سلفا الشهير باسم «لولا» فى الحق لومة لائم، ووصف الجرائم الإسرائيلية بمسمياتها الحقيقية من دون مواربة، فما يجرى فى قطاع غزة «إبادة جماعية» وليست «حربا»، ما يدور فوق القطاع «ليس حرب جنود ضد جنود. إنها حرب بين جيش على درجة عالية من الاستعداد، ونساء وأطفال»، وبوصف أكثر وضوحا فإن «ما يحدث مع الشعب الفلسطينى لم يحدث فى أى مرحلة أخرى فى التاريخ. فى الواقع، سبق أن حدث بالفعل حين قرر هتلر أن يقتل اليهود».
لا يشعر بالمظلومين إلا من عاش الظلم وخبره، فالرئيس البرازيلى المقبل من رحم المعاناة، وقرى الفقر والتهميش، الصاعد من وسط العمال والمدافع عن الفلاحين، كان منطقيا أن يرتدى الكوفية الفلسطينية، وأن يعلن دعمه وتأييده لإقامة دولة فلسطين، فى أكثر من محفل، خلال العديد من المناسبات التى تأتى على ذكر القضية الفلسطينية، وكان أقربها عندما زار مصر منتصف فبراير الماضى ليقول أمام جامعة الدول العربية إنه لن يكون هناك سلام دون إقامة دولة فلسطينية.
لولا دا سيلفا، الذى تحظى بلاده بمكانة العضو المراقب فى الجامعة العربية التقى الرئيس السيسى فى اليوم نفسه، حيث اتفقا خلال المباحثات على ضرورة وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وكرر يومها قوله إنه «ليس هناك أى مبرر لرد الفعل الإسرائيلى فى غزة، حيث قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلى النساء والأطفال بشكل غير مسبوق».
وبعد مغادرة الرئيس البرازيلى القاهرة بأيام قليلة طردت بلاده السفير الإسرائيلى بعد أن استدعت سفيرها من تل ابيب فى خطوة دفعت إسرائيل إلى وصفه بـ«الشخص غير المرغوب فيه»، بعدها قال دا سيلفا: «كما قلت عندما كنت فى السجن إننى لن أقبل بصفقة للخروج من محبسى ولن أستبدل حريتى بكرامتى، أقول لن أستبدل الباطل بكرامتى وأنا أؤيد إنشاء دولة فلسطينية حرة ذات سيادة».
ما يثير حنق الإسرائيليين من الرئيس البرازيلى أنه يعد نموذجا يحتذى به العديد من قادة بلدان أمريكا اللاتينية، وكان آخرهم الرئيس الكولومبى جوستافو بيترو الذى علق، يوم الخميس الماضى (29 فبراير) شراء الأسلحة الإسرائيلية، ردا على مجزرة الاحتلال فى دوار النابلسى فى مدينة غزة التى استشهد فيها أكثر من 100 فلسطينى كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية. وكرر بيترو مقولات لولا دا سلفا تقريبا تعليقا على تلك الجريمة بقوله «هذه إبادة جماعية وتذكرنا بالهولوكوست رغم أن القوى العالمية لا تريد الاعتراف بذلك».
وأختم بكلمات لولا الذى يفخر بأنه عمل ذات يوم ماسحا للأحذية، عن فلسفته فى الحكم، بأنه يحكم بروح الأم لأنه «لا يستخرج أفضل نموذج للحكم من كتاب ما، وإنما يستنبط من الأم، فهى دائما ترعى أضعف أبنائها. إن كان عليها أن تمنح قطعة لحم أكبر، فستمنحها لأضعف أبنائها. إن كانت سترضع مرة أكثر، فسترضع الابن الأضعف» لأنه الأكثر احتياجا.
هذه هى الروح الإنسانية، التى تنتصر للضعيف، وتجاهر بالحق، وإن كلفها الكثير، وهى الروح ذاتها التى تفسر لنا لماذا اختار لولا دا سلفا الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، فى وقت تخلى عنهم الكثيرون فى مشارق الأرض ومغاربها!!