فى وداع «الحياة»
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 4 يونيو 2018 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
عبر مسيرة تقارب الثلاثة عقود، اعتدت أن أطالع وجهها الصبوح بشكل شبه منتظم مع مشرق كل يوم جديد. كانت لا تخيب الظن بها، ولا تخدع محبيها بمساحيق التجميل الكاذبة، فتناسق مظهرها يعكس صدق مخبرها، من هنا امتدت علاقتنا كل هذه السنوات، قبل أن تقرر الاحتجاب، وتترك عشاقها يفتقدون طيب رفقتها، وحسن معشرها، بما جمعته من خصال حميدة.
هكذا كان حضورها فى حياة من ينتمون إلى جيلى وربما لأجيال سابقة أو لاحقة، سواء كانوا مقيمين فى أية بقعة من المحيط إلى الخليج، أو على سفر فى المهاجر، فقد كانت فى متناول الأيدى، لا تخلف الموعد مع من يحرصون على تصفح متنها، وفهم ما بين سطورها، مقدمة وجبة متنوعة من الأخبار والتقارير التى تحمل معلومات تصب فى بؤرة صناعة الإعلام الثقيلة، جنبا إلى جنب الرأى والتحليل العميق لكبار الكتاب، من دون إغفال حق روادها من أطباق التحلية الخفيفة.
ولأنها «الحياة» بتقلباتها، وبفعل الأيام القاسيات، ها هى صحيفة «الحياة» اللندنية التى أسسها فى لبنان كامل مروة عام 1946، وترفع شعار «إن الحياة عقيدة وجهاد»، تتوقف عن إصدار نسختها الورقية اليومية، مكتفية بموقعها الإلكترونى الذى يتضمن صفحاتها على شكل الـ«PDF»، ليحرم قراؤها من ملمس أوراقها التى اعتادوها لسنوات طوال.
توقف «الحياة» المملوكة لشخصية سعودية كبيرة، وإن وضعه البعض فى إطار الأزمة التى تعانيها الصحف الورقية، فى مواجهات التنافس مع الوسائط الإلكترونية، والتى تلتهم فى طريقها كل الأوراق المتيبسة، وبما يجبر صناع الإعلام على إعادة النظر فى مفاهيم كانت مستقرة لسنوات، غير أن ذلك، ومع «الحياة» تحديدا، يجعلنا نتساءل عما إذا كانت أزمتها فى قدرة مموليها على الإنفاق، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!
«الحياة» صمدت فى وجه العديد من العواصف حتى عقب موت مؤسسها عام 1966، لكنها أجبرت على التوقف إبان الحرب الأهلية اللبنانية، ثم أعيد إصدارها من لندن فى تسعينيات القرن العشرين، قبل أن تنتقل ملكيتها إلى الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع السعودى الأسبق.. والسؤال هل يمكن لـ«الحياة» العودة مجددا إلى عهدها المطبوع؟
السؤال وهو جزء من الجدل الدائر فى الأوساط الصحفية خصوصا، والإعلامية بمفهومها الأشمل، حول مستقبل الصحافة الورقية، التى تضربها الأزمات الاقتصادية بعنف، ليس فى المنطقة العربية وفى القلب منها مصر، بل فى العالم، كان حاضرا فى «مؤتمر القاهرة للإعلام» الذى نظمه البرنامج المصرى لتطوير الإعلام، ومنتدى المحررين المصريين، بالاشتراك مع جامعة أوسلو، ورابطة المحررين النرويجيين، والجامعة الأمريكية فى القاهرة.
المؤتمر الذى عقد على مدى يومى 8 و9 من شهر مايو الماضى، بمشاركة خبراء من مختلف الوسائل الإعلامية من مصر والوطن العربى وبمشاركة صحفيين وباحثين من النرويج، قلب خلاله المجتمعون كل الأوراق تحت عنوان عريض يقول «تغيير الإعلام فى العصر الرقمى.. عندما يلتقى الأكاديميون مع المحترفين».
وفى النقاش، الذى شاركت فى جزء منه، كانت المخاوف على مصير الصحف المطبوعة حاضرة بقوة، خاصة أن مشوار «الحياة» الورقى الذى توقف سبقه أيضا خطوة ربما تكون أكثر قسوة مع صحيفة السفير اللبنانية التى تبخر وجودها مطبوعا، وإلكترونيا، بسبب الأزمات المالية التى حاصرتها.. وعلى الرغم من طرح المتحدثين العديد من الأفكار والاقتراحات، التى قد تساهم فى انتشال الصحف الورقية من أزمة تدنى قيمة دخلها من الإعلانات، وانحسار عدد القراء، غير أن الأمر لايزال فى طور الاجتهادات، ربما الشخصية، فى هذا المضمار.
ما يزيد الأمر صعوبة، على مسيرة الصحف الورقية، الأخبار المتواترة عن ارتفاع أسعار الورق، وهو الزاد اليومى للصحف، بنسب خرافية، تجعل من الصعب الاستمرار على ذات النهج.. فإما رفع أسعار النسخ المطبوعة، وبما يحمله من مخاطر جديدة لهجر المزيد من القراء، وحتى التوقف كلية عن الصدور، وهى المرحلة التى لا يتمنى العاملون فى بلاط صاحبة الجلالة الوصول إليها، مع الأخذ بتطورات «الحياة».