ليلة عبد الهادى الجزار
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 4 يونيو 2024 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
حدث ثقافى كبير شهدته القاهرة الأسبوع الماضى تمثل فى إطلاق أول كتالوج علمى موثق لأعمال الفنان التشكيلى الراحل عبدالهادى الجزار (1925 ــ 1966) الذى حظى بشهرة كبيرة عقب وفاته، كما قدمت حياته القصيرة مثالا فذا على عبقرية استثنائية يندر أن تتكرر.
خلال السنوات الأخيرة شهدت أسواق الفن فى العالم منافسة كبيرة للحصول على أعماله، وبعضها يباع بمبالغ كبيرة فقبل 6 سنوات فقط بيعت لوحته «أذن من طين وأذن من عجين» فى مزاد صالة كريستيز مقابل أكثر من نصف مليون جنيه إسترلينى (584 ألفا) وهى ليست أشهر أعماله، فهناك أعمال فذة واستثنائية مثل (المجنون الأخضر)، و(إنسان السد العالى) التى اختفت من المبنى القديم للحزب الوطنى قبل سنوات من ثورة يناير 2011 ولم يتم العثور عليها إلى الآن، فى حين تم العثور على لوحته (من وحى فنارات البحر الأحمر) فى مخزن ملحق بأحد المقاهى قبل عامين.
تركزت أعمال الجزار على تصوير الحياة الشعبية فى مصر وأشكال التدين الشعبى مع تأكيد الجوانب الأسطورية والفانتازيا وعقب وفاته أصبحت أعماله من بين الأعمال الأعلى سعرا فى أسواق الفن التشكيلى عربيا وعالميا.
يضم الكتالوج المسبب لأعمال الجزار دراسات ومقالات لعدد من كبار النقاد ومن أبرزهم وزير الثقافة المصرى الراحل الدكتور شاكر عبد الحميد والنقاد أمل نصر ومصطفى عيسى وسمير غريب، فضلا عن مجلد مخصص للدراسات الأرشيفية التى كتبت حول أعمال الفنان للراحلين حسين بيكار ونعيم عطية وبدر الدين أبو غازى وعز الدين نجيب وآخرين
وبعد إصداره سينضم كتالوج الجزار لما يقرب من ٩ آلاف كتاب مماثل حول كبار فنانى العالم، يعرض للبيع فيما يقارب من 500 مكتبة حول العالم.
ولأسباب كثيرة ينبغى الترحيب بالحدث الذى نظمته بكفاءة مكتبة ديوان التى تقوم بتوزيع الكتالوج فى مصر، كما ينبغى تقديم الشكر للدكتور حسام رشوان خبير المقتنيات الفنية الذى وقف خلف إعداده وخطط مع فريق علمى وبحثى متميز تقوده الخبيرة الفرنسية فاليريا ديدييه لإصداره ليصبح الكتاب الثانى فى سلسلة انطلقت بتوثيق أعمال محمود سعيد فى كتالوج فريد صدر قبل حوالى 7 سنوات.
وقد أدار الندوة التى رافقت الحدث وبحرفية كبيرة الكاتب الكبير محمد سلماوى واستطاع بما لديه من خبرة ومعرفة أن يطرح تساؤلات مهمة قدمت إضاءات كثيرة على جهد من قاموا بالتصدى لإعداد الكتاب.
وعلى الرغم من التحديات التى واجهت الفريق البحثى إلا أن الفريق صمد فى مواجهة العقبات البيروقرطية التى تم شرحها خلال الندوة وتمكن أخيرا من إتاحة هذا العمل الفريد وهو بالمناسبة ليس أول كتاب عن الجزار فقد سبقته أعمال كثيرة لكنه على خلاف ما يصدر يتسم بالشمول ويتضمن رؤى مختلفة بخلاف توثيق متكامل لكل الأعمال التى تتبعها الفريق البحثى وتمكن من الوصول إليها، كما يشمل دراسات لنقاد وخبراء متخصصين تساعد كثيرا فى تناول أعمال الفنان الراحل من زوايا متعددة.
والأمر المؤكد أن ظهور كتالوج موثق لأعمال كبار الفنانين يساعد أولا على تقديم خدمات مهمة للدراسات التاريخية والفنية المعنية بأعمالهم، كما يساهم من جهة أخرى فى حماية الملكية الفكرية والفنية لأعمال الفنانين من التزوير، فضلا عن مساعدة المقتنين للوصول إلى الأعمال الفنية وتقدير قيمتها بشكل صحيح فى ظل النمو المتسارع لأسواق الفن فى العالم.
ويعرف المهتمون بأعمال الجزار المفارقات الدرامية التى رافقت حياته القصيرة، فقد عاش ظروف إنسانية صعبة انعكست على إنتاجه الفنى الذى يعد غزيرا بالقياس إلى حياته القصيرة.
ويساعد الكتالوج فى إعادة النظر فى أعمال الراحل بحيث يتم الالتفات إلى أعمال أخرى بخلاف الأعمال التى ركزت على الفانتازيا الشعبية والتى نالت شهرة أكثر من غيرها من الأعمال، فالدراسات التى يتضمها الكتاب لا تعيد تأكيد ما هو شائع حول أعمال الجزار الأكثر شعبية، لكنها تمتد لتناول أعمال أخرى لم يتم الالتفات إليها نقديا خاصة المراحل الأخيرة من حياته حيث أصبح أكثر اهتماما بالتعبير عن أحداث قومية، كما مال ناحية التجريد وكرس الكثير من إنتاجه لتناول رحلة الإنسان لاكتشاف الفضاء وعبر عن ذلك الانشغال تشكيليا.
جمع حدث إطلاق الكتاب جمهورا فريدا من المهتمين بالفن التشكيلى، وطرح المشاركون فى الندوة مجموعة من الأفكار المهمة التى تخص عمليات التوثيق، وأكدوا أن انتشار تزييف اللوحات التشكيلية فى العالم العربى نتيجة طبيعية لغياب التوثيق العلمى لإنتاج الفنانين بما يؤدى إلى مشكلات فادحة فى كتابة التاريخ، وكما أكد رشوان أن هناك مئات الفنانين العرب زيفت أعمالهم فى أسواق الفن العالمية نتيجة عدم التوثيق، وانعدام وسائل حفظ الأرشيفات الشخصية والعائلية وذكر أن من أبرز هؤلاء الفنان السورى الراحل لؤى كيالى (1934 ــ 1978) الذى لم ينجز طوال حياته إلا 180 عملا فى حين تنسب له ما يقرب من 2000 لوحة فى صالات المزادات.
ولفت بصراحة نادرة إلى فوضى الشهادات التى تصدر عن بعض القاعات أو الخبراء فى مجال الفن وتساهم فى تضليل النقاد وصالات العرض العالمية وخص بالذكر الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلى التى أصدرت فى فترات سابقة شهادات موثقة لأعمال غير أصلية نسبت لرواد الفن التشكيلى المصرى، وهى قضية تحتاج إلى نقاش موسع وينبغى ألا تمر مرور الكرام.