إعلام عضة الكلب
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 4 يوليه 2011 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
سألت الدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة عن حقيقة ما جرى فى مسرح البالون مساء الثلاثاء الماضى، والذى كان مقدمة لما شهده محيط ميدان التحرير فيما بعد، فكرر ما سبق أن أعلنه، من أن مجموعات من البلطجية جاءوا إلى المسرح فى أتوبيسين دون لوحات، يحملون أسلحة بيضاء وطبنجات وكميات من الحجارة وكسرالرخام، وأرادوا اقتحام المسرح بزعم أنهم من أسر الشهداء ويحق لهم أن يكرّموا مثل الباقين، فلما رفض أمن المسرح دخولهم اعتدوا عليهم، وكسّروا قاعة صلاح جاهين، ثم انطلقوا إلى المعتصمين فى ماسبيرو ومنه إلى الميدان، وبقية القصة معروفة. فى اليوم التالى والذى يليه، أغرقتنا الصحف والفضائيات فى سرد تفاصيل المواجهات بين الشرطة و«أسر الشهداء»، والتى راح ضحيتها أكثر من ألف مصاب، واستخدمت فيها قنابل الغاز المسيّل للدموع والخراطيش، على نحو يذكرنا بمواجهات الأيام الأولى للثورة، دون أن يفسّروا لنا: لماذا يذهب أسر الشهداء إلى المسرح بكسر الرخام والسيوف، ولماذا يحاصرون مبنى الداخلية ويقذفونه بالنيران وزجاجات المولوتوف؟، ولماذا لم يربطوا بين ما جرى وقرار القضاء بحل المجالس المحلية، بما يعنى وجود مؤامرة، وهو ما ذهب إليه البعض؟
الدكتور مصطفى النجار، وكيل مؤسسى حزب العدل، ومنسق حملة البرادعى السابق، كاد يبكى فى مداخلة مع منى الشاذلى عما آل إليه حال ميدان التحرير، الذى جسّد أنقى معانى النبل والتضحية منذ اندلاع الثورة فى 25 يناير وحتى خلع مبارك فى الحادى عشر من فبراير، ويوشك البلطجية أن يحوّلوه الآن إلى ساحة للفوضى والرعب.
لا أظن أن أحدا يمكنه أن يزايد على مواقف مصطفى النجار، الذى بشّر بالثورة، وشارك فيها منذ البداية، وواجه الموت مع ملايين الشرفاء من أبناء المحروسة بنفوس توّاقة للشهادة، وأحلام مشروعة فى حياة أكثر عدلا ورحمة.
نحن هنا أمام حالة مثالية من المزايدة واختلاط المفاهيم، فقد اختلط الحابل بالنابل، الثورجى بالبلطجى، صاحب القضية بصاحب المصلحة، وفى أجواء من هذا النوع تتوه الحقائق، وتتسرب الأباطيل، ويرفع المنافقون والمدلسون شعارات لايعونها، تأسى على الضحايا، وتطلب الثأر لدم الشهداء، وهو منهم براء.
بالأمس نشرنا خبرا عن تنظيم سرى يدير البلطجية لإجهاض الثورة، والوقيعة بين الشرطة والشعب، والجيش والشعب، والتنظيمات السياسية وبعضها، وحتى يتم الكشف عن تفاصيل المؤامرة، ويتأكد لنا صدق الاتهام، فإننا مطالبون بـ«تنظيف» الميدان وكل ميادين الثورة من هذه العناصر، والانتباه إلى المستفيدين من الزج بنا فى أفخاخ الوقيعة.
مطالبون بالتمييز بين حقنا المطلق فى التظاهر والاحتجاج السلمى، وجرائم قطع الطرق والتعدى على الممتلكات.
مطالبون بالتمييز بين الجدل الصحى حول حاضرالوطن ومستقبله وأولوياته، والحوار تحت نيران المولوتوف وقعقعة السيوف والخناجر.
مطالبون بالالتفات أكثر لمطالب الفقراء، ممن دفعوا أثمانا باهظة قبل الثورة وبعدها، والذين لاتعنيهم مجادلات النخبة وصراعها المحتدم، حول الدستور أم الانتخابات أولا.
قيل لنا فى سنة أولى صحافة، إن الكلب إذا عض رجلا فلا خبر فى الموضوع، الخبر هو أن يعض الرجل الكلب، هذا الدرس الخائب تحفظه صحافتنا وفضائياتنا عن ظهر قلب، ويطبقونه بحذافيره، من أجل مزيد من الذيوع والتوزيع.
مصر الجديدة تستحق ما هو أفضل من «إعلام عضة الكلب»، تستحق إعلاميين يحبون الحقيقة أكثر من مصالحهم ومن جمهورهم،.... والأرزاق على الله.