غضبة «بالتريس» الليبى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 4 يوليه 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
الخوف من انزلاق الأشقاء فى ليبيا إلى حالة من الفوضى العارمة، بات حاضرا بقوة، والقلق من عودة الليبيين إلى المربع الأول من وضع عدم الاستقرار واللجوء لتحريك المليشيات وعناصر المرتزقة للحفاظ على مكاسب بعض الأطراف أمر طبيعى فى اللحظة الراهنة، فقد شهدنا فى الأيام الأخيرة كيف تصاعد الغضب المصحوب بالعنف فى بعض المناطق الليبية، وخاصة طبرق حيث أحرق متظاهرون مبنى مجلس النواب احتجاجا على تردى الأحوال المعيشية.
حالة الغضب التى عمت العديد من المدن والمناطق الليبية والتى يقودها حراك «بالتريس» أو بالرجال باللهجة الليبية، جاءت تعبيرا عن التململ الذى يسود الشارع الليبى الذى فاض به الكيل من مماحكات الساسة وتمترس العديد من الأطراف التى يمسك كل منها بمفصل من مفاصل «الدولة الكسيحة» خلف مكاسبهم، على حساب معاناة الناس فى البيوت من الانقطاع الدائم للكهرباء، وتدهور أسباب المعيشة من مأكل وملبس وتعليم وصحة وباقى مقومات الحياة الكريمة.
«بالتريس» الذى يضم عناصر شبابية لم تعد تثق فى قدرة الساسة على حل المشكلات، ألقى بحجر كبير فى ماء آسن، تعفن بفعل الصراع المحتدم بين كيانات أو أجسام سياسية لا تريد أن تعترف بفشلها الذريع فى قيادة المرحلة الصعبة التى يمر بها الليبيون، ولا يريد قادتها تسليم مفاتيح مؤسسات اعتلوا مقاعدها لفترة زمنية مقدرة لكنهم التصقوا بها كالغراء، وسط تراشق وتبادل الاتهامات حول تعطيل استحقاقات انتخابية (رئاسية وبرلمانية) كان يمكن لها أن تخرج البلاد من دوامة غياب الشرعية الدستورية.
الانقسام فى قمة السلطة ذات الرءوس المتعددة، وليس فقط إلى حكومتين واحدة يقودها فتحى باشاغا، والأخرى عبدالحميد الدبيبة، يريد الليبيون وضع حد له، والوصول إلى نهاية تسمح بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية طال انتظارها، بعد أن رُحلت الجداول الزمنية لإنجازها إلى آجال غائبة المواعيد، وسط ميوعة فى المواقف المحلية والأممية حيث فشلت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفانى ويليامز حتى الآن فى جمع «رأسين فى الحلال» بين شرق البلاد وغربها.
وأمام هذا المشهد المعقد، ومع تصاعد الغضب الذى يخشى أن يتحول لأعمال عنف دامية، وكانت طبرق مسرحا لاختبارها، يأتى التساؤل عن مدى رغبة المتمترسين خلف مكاسبهم فى إنقاذ السفينة المثقوبة من الغرق، وما يمكن أن يجبرهم على التخلى عن المقاعد الوثيرة التى حصلوا عليها فى صفقات لم يكن الشعب الليبى طرفا فيها، بل تمت على حساب ثروته النفطية، وحقوقه الاقتصادية والاجتماعية، وبضغوط إقليمية ودولية يعلمها الجميع.
وقع الليبيون منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافى (فبراير 2011) فى مستنقع تضارب المصالح محليا وإقليميا ودوليا، ومرت البلاد بمراحل من التناحر والمواجهات المسلحة التى قوضت قدرة الدولة الليبية على النهوض السريع، ويبدو أن وضع «البلد المريض» يغرى كل الأطراف التى تود بقاء الحال على ما هى عليه، لكن يجب أن يدرك هؤلاء أن تصاعد الغضب وثورة المحرومين من التمتع بثروة بلادهم فى العيش الكريم يمكن أن تطيح بآمال كل المنتفعين الحاليين.
الغرب الذى تسبب فى معاناة الليبيين، والقوى الإقليمية الفاعلة وسط اللاعبين على الساحة الليبية، والساسة الليبيون أنفسهم (مجلس نواب، مجلس أعلى للدولة، المجلس الرئاسى، وحكومتا باشاغا والدبيبة، ومن يساندهم) يتحملون جميعا الفشل فى عدم وصول البلاد إلى بر الأمان مع استمرار لعبة استهلاك الوقت، التى لن تكون لصالح أحد فى المستقبل القريب، فقد طال صبر الليبيين وهم ينتظرون الضوء فى آخر النفق.
غضبة حراك «بالتريس»، سواء كانت عفوية أو منظمة، جرس إنذار قوى على أن مرحلة التمسك بالمناصب وتحقيق المكاسب على حساب معاناة البيوت الليبية يجب أن تنتهى، قبل أن تعم الفوضى التى لن تبقى على منصب أو مكسب.