مثلما تحاول قطر زعزعة النظام الإقليمى العربى منذ سنوات، فإنها تحاول نفس الأمر فى ميدان الرياضة، ولكن هذه المرة فى القارة الأوروبية العجوز. المقطع الأخير من هذه المقدمة ليس كلامى لكنه جاء فى معرض تعليقات كبريات الصحف الأوروبية على الجدل الذى صاحب «صفقة القرن» فى عالم رياضة كرة القدم بانتقال اللاعب البرازيلى نيمار دى سيلفا من نادى برشلونة الإسبانى إلى نادى باريس سان جيرمان الفرنسى.
الكاتب المتخصص فى عالم الرياضة ريتشارد كونواى قال قبل أيام قليلة إن مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية التى تمتلك نادى باريس سان جيرمان تسعى لزعزعة النظام القديم فى كرة القدم فى قارة أوروبا.
هذه المؤسسة هى إحدى أذرع صندوق قطر السيادى ويرأسها ناصر الخليفى الذى يرأس أيضا شبكة قنوات «بى إن سبورت» التى تحتكر بث مباريات أشهر الدوريات والمسابقات العالمية، خصوصا الاسبانى والانجليزى والإيطالى وكأس العالم ودورى أبطال أوروبا.
المؤسسة ممثلة فى «باريس سان جيرمان» تقدمت بشراء نيمار من برشلونة، الذى رفض كل المحاولات وحاول تصعيب الصفقة وجعلها مستحيلة حينما اشترط على اللاعب إذا أراد المغادرة أن يسدد كامل الشرط الجزائى وهو ٢٢٢ مليون يورو أو ٢٦٢ مليون دولار.
المفاجأة أن النادى الفرنسى وافق بالفعل، رغم أنه نظريا لا يملك المبلغ، وحينما ذهب محامى نيمار لتسديد الشرط الجزائى لخزينة الاتحاد الإسبانى، فإن الأخير رفض مبدئيا، لأنه يعتقد أن باريس سان جيرمان خالف قواعد اللعب النظيف، حينما قرر أن يدفع قيمة الشرط الجزائى نيابة عن نيمار فى حين يفترض أن اللاعب يسدد المبلغ من أمواله الخاصة.
القطريون خبراء فى هذا المجال، ولذلك اتفقوا مع نيمار أن يعينوه سفيرا للترويج لمونديال الدوحة عام ٢٠٢٢ مقابل ٣٠٠ مليون يورو، يسدد منها ٢٢٢ مليونا للشرط الجزائى، وبقية المبلغ أى ٧٨ مليون يحتفظ به لنفسه.
مرة أخرى الكلام السابق ليس كلامى أيضا، ولكنه جاء على لسان موقع «فينانتسن الاقتصادى الألمان» حيث يقول ان القيمة الفعلية للصفقة ستصل إلى ٨٠٠ مليون يورو شاملة الشرط الجزائى ٣٠٠ مليون يورو، وضريبة القيمة المضافة وتبلغ فى اسبانيا ٢١٪، وراتب نيمار الذى سيبلغ ٣٠ مليون يورو سنويا، ويضاف إليه ٦٩٪ من قيمته ستدفع كضرائب على أصحاب الدخول الأعلى فى فرنسا، إضافة إلى مبالغ أخرى تتعلق بمساهمات فى التأمين الاجتماعى.
وفى تقدير مجلة «١١ فروينده» الرياضية الألمانية فإن نيمار سيكلف باريس سان جيرمان ٩٠ مليون يورو فى العام الواحد وإذا كان عقده لمدة خمس سنوات فإن إجمالى ما سوف يتقاضاه سيصل إلى ٤٥٠ مليون يورو.
وفى تقدير فريق برشلونة، والعديد من كبار الرياضيين فى العالم فإن صفقة نيمار تخالف قواعد اللعب النظيف. ولكن حتى نكون منصفين فإن قطر ليست وحدها التى تفعل ذلك، هناك كثير من رجال الأعمال العرب المسنودين بحكوماتهم وهناك دول كثيرة منها روسيا، تمارس نفس الأمر تقريبا، لكن الفارق أن قطر «ضربت فى العالى» وتحلم بأن تضرب بصفقة نيمار عدة عصافير فى وقت واحد.
هى تريد الانتقام من برشلونة لأنه فسخ عقد رعاية «الخطوط الجوية القطرية» على فانلات النادى، وتريد أن يحصل فريقها سان جيرمان على لقب بطل أوروبا بعد أن دفعت مليارات الدولارات فى شراء لاعبين كبار مثل إبراهيموفيتش وكافانى وانخل دى ماريا، ولم يحققوا شيئا، كما تريد استخدام اسم نيمار للتسويق لملف استضافة كأس العالم وهو الأمر الذى تثار بشأنه أقاويل كثيرة، ليس فقط بسبب التقارير غير المؤكدة عن الرشاوى، لكن أيضا لتحقيق أى انتصار معنوى فى ظل اتهامات متتالية بأنها تدعم الإرهاب فى المنطقة والعالم.
صفقة نيمار ليس لها صلة كبيرة بكرة القدم، هى سياسة محضة وممارسة للصراع والمنافسة لكن بوسائل كروية، طبعا سيسأل سائل شيوخ وقادة الإخوان والسلفيين المقيمين فى قطر وتركيا: ماذا لو وجهت قطر المبلغ المخصص لشراء نيمار فقط للفقراء فى العالمين العربى والاسلامى التى تقول إنها تدافع عنهم؟!
والإجابة أن ما يحدث هو منطق اللا معقول.. ليس فقط من جانب قطر، ولكن من أطراف كثيرة.. الفارق الوحيد أن قطر صارت تمارس الأمر بفجاجة منقطعة النظير!!