عفوا.. المرأة مرة أخرى
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 4 سبتمبر 2016 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
مضحك أن يردد بعض رجال الدين أن المرأة مخلوق ضعيف وأن يكرروا أنها خلقت من ضلع، وفى ذلك دونية لها أو قصر بها.
يستمر مسلسل النكات الممجوجة من رجال الدين على اختلاف أديانهم؛ فليس المسلمون وحدهم المنغمسين فى فعل تحقير المرأة، إلا أن الإسلاموفوبيا وبعض من رجال الدين المسلمين جعلوا من أنفسهم محط انتقاد مستمر أو سخرية من بعض فتاويهم أو تصريحاتهم. وليس آخرها أن يقول ذاك الداعية الشهير فى ذلك البلد الحاضن للإسلام أن المرأة ضعيفة نتيجة لغدة ما نسى اسمها!
وتهمة الضعف المرتبطة دوما بالتحقير والاصغار من قدرات المرأة أو حتى عطائها ليس مقتصرا على رجال الدين أو الجهلة من النساء والرجال على حد سواء بل يمتد الأمر ليشمل الكثيرين من الرجال والنساء خريجى أكبر الجامعات وأهمها، رغم أن التعليم لم يعد هو مقياس للانفتاح واحترام حقوق الإنسان وتقبل الآخر، وإلا لكنا بخير ونحن لدينا أكبر عدد من حملة الدكتوراه مقارنة بكثير من الدول النامية، حتى أصبحت صفة ممجوجة يكررها البعض لنفسه وللآخرين محتفين بأنفسهم أن الدكتوراه هى شهادة دخول العالم المتحضر والعلم والمدنية وما بعد الحداثة.
لا تتوقف الاتهامات ضد المرأة عند هذا الحد بل تستمر لنعتها بالكثير من الصفات وأهمها أنها عاطفية وهذه تهمة أخرى أيضا.
وفى ذلك توافق بين الجالسين هنا فى منطقتنا المنقوعة بالتخلف والجهل والحروب والفقر، وبين أولئك القادرين على الحديث المطول والمفذلك فى المساواة والحرية وحقوق الإنسان المتساوية للذكر والأنثى. لا يمكن أن تعتقد أن المتعلمين فى أعرق الجامعات الأوروبية والعربية هم أكثر قناعة بآدمية المرأة وحقوقها؛ هم جميعا لم تستطع كل تلك الجامعات العريقة أو غيرها أن تغير تراكم أفكار بالية ارتبطت بكثير من العادات والتقاليد ولكنها طعمت كثيرا وسيست باسم الدين.
***
ملفت حتما الحوار الدائر عندنا وفى
منطقتنا وعلى وسائل إعلامنا فى قضايا قد تبدو ليست أساسية الآن فى هذه اللحظة التاريخية والصعبة شديدة الحساسية فى منطقتنا العربية ككل وليس فى بلد واحد فقط. فنحن جميعا ــ حتى منا المنعمين الغارقين فى الاستهلاك القاتل لسنا بعيدين عن مرمى الحروب والفتنة الطائفية والانتفاضات والثورات على مختلف تسمياتها. فهناك تركيز دوما على أى قضية مرتبطة بالمرأة، بل والآن أصبحت هى الموضوع الأساسى للحوارات التى تزدحم بها وسائل الإعلام رغم أن النساء العربيات فى مناطق الحروب والنزاعات ــ وهن كثرــ يتعرضن وبشكل يومى لفظائع وانتهاكات لا تتوقف عند الاغتصاب والقتل والسبى وأسواق النخاسة «الحديثة»، بل تتمدد لتشمل كل أنواع المعاناة اليومية والصمود الذى تقدمه المرأة العربية التى لم تقرر فى الكثير من الأحيان أن تحمل السلاح وتقاتل، ولكنها تترك نتائج حمل السلاح للرجال القريبين التى تحمل اسمهم وتبقى حاضنة ومسئولة عن أسرتها حتى آخر لحظة وهى حقيقة من يشهد لها بالصمود فى هذه المنطقة. رغم ذلك يخرج شيخ الدين ذاك ليقول ما يقول ويعيد أنه نسى اسم الغدة المسببة لضعف المرأة مبررا معاملته هو وغيره لها.
***
وتستمر المعاناة لتشمل النساء فى كل مكان، فحيث تعلمت المرأة العربية اليوم ووصلت إلى ما وصلت إليه تبقى هى امرأة وتبقى النظرة لها على أنها امرأة. وذلك حتما يبدو واضحا فى تناقضات الطرح على منصات الندوات والإعلام والممارسة اليومية؛ حيث إن أكثرهم ترديدا لحقوق المرأة وآدميتها هو أكثرهم إنكارا لنفس تلك الأسس فى النظرة الاستشرافية لمستقبل هذه المنطقة ككل وليس بلد بحاله. كثير من النساء حتى اللاتى وصلن إلى مناصب عليا يشتكين وبشكل سرى جدا وليس علنى من معاملة الرجال الذكور لهن ضمن نفس الحكومة أو المؤسسة العربية أو الدولية منها.
***
النظرة تبدو واضحة جدا عندما نراجع عدد المؤتمرات التى أقيمت حول تمكين أو مساواة المرأة فى منطقتنا؛ حيث الحضور الغالب من النساء وبعض الرجال المحاولين فقط أن يثبتوا ربما لبعض «الخواجات» أنهم حتما مناضلون ومدافعون عن تلك الحقوق. تبرز القضية عند الوقوف عند التفاصيل فى تلك اللقاءات التى أصبحت مكررة جدا وحاضنة لنساء ورجال بعضهم يحمل الكثير من القناعات الراسخة فى ذلك.
المطلوب هو أن تتحول كل تلك المؤتمرات إلى فعل عملى وإلى تشريعات وأنظمة تحافظ على حقوق المرأة وآدميتها وأن تغير فى أنماط السلوكيات العامة تجاه النساء فى أوطاننا الممزقة. ما يثير الحنق أحيانا أن البعض يتصور أنه بإعطاء مساحة ضيقه فى أى منتدى أو أى عمل جماعى ــ بما فى ذلك الحكومات والوزارات والمؤسسات للمرأة يكون بذلك قد قام بما هو مطلوب وأكثر وأثبت أنه كما يحب أن يكرر الكثيرون «مجندر». كلمة أخرى لا تفهم الكثير من نسائنا فى المدن قبل الأرياف معناها ولا يتفاعلون معها ومع ذلك نستمر جميعا فى استخدامها أيضا استسلاما واستسهالا.
وربما حتى تتكرم جمعية أوروبية أو مؤسسة تمويل باعطائنا ما يكفى للقيام بمشروع قد لا يلامس إلا سطح المشكلة الحقيقة فى الكثير من الأحيان. وموضوع أجندات الجهات التمويلية هو بحد ذاته بحاجة لدراسة مفصلة وهناك أمثلة على ما قامت به تلك الجهات ــ رغم الكثير من النوايا الحسنة وبعيدا عن نظرية المؤامرة ــ من تشويه لمسار العمل الجاد من أجل تغيير الواقع والنظرة إلى المرأة فى حياتنا اليوم.
***
حتى فى أكثر المؤسسات العاملة فى مجال الحقوق والحريات الأساسية تجد أن الكثيرين من العاملين يتقنون فن «الادعاء» إن لم يكن «التمثيل» بأنهم على قناعة تامة، ولذلك فيبدو أن الاكتفاء ببعض الأمور الصغيرة هو كل ما هم قادرون عليه فى انعكاس فهمهم لموضوع المساواة والحقوق للمرأة. وتجد أن المرض تفشى حتى بين مؤسسات المجتمع المدنى العريقة والأحزاب السياسية المعارضة التى لولا النساء فيها لبقيت هى كما كل الأحزاب الدينية الجديدة ناقصة ومنقوصة.
لذلك فالناقص عقلا ودينا ليس هو المرأة حتما بل مجتمعات تبعد سنوات ضوئية عن احترام نسائها كما يستحقن. لا عزاء يبقى سوى فى الأجيال القادمة بحيث تكون المؤسسات التعليمية وأولها المدرسة الابتدائية ترسخ عند الطفل والطفلة احترام المرأة ليس فقط لأنها أمى وأختى وأنها نصف المجتمع والكثير من الكلام الممجوج الذى أصبح مملا بل مكروها فى الكثير من الأحيان، بل لأنها بشر وآدمية.