صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية نقلت مساء الثلاثاء الماضى، تصريحات على لسان مسئول إسرائيلى رفيع المستوى، قال فيها إن الحكومة الإسرائيلية لن تضغط على حركة حماس اقتصاديا، لأنها مهتمة باستقرار حكمها فى غزة، ولا تريد اللجوء لإجراءات قاسية ضدها، حتى من أجل استعادة الأسرى. المسئول يضيف أن الاهتمام الإسرائيلى باستقرار حماس، ينبثق من خشيتها من أن البديل سيكون أسوأ بكثير، وأن الضغوط الاقتصادية قد تؤدى لوصول الأزمة الاقتصادية فى غزة، إلى درجة تجعل تل أبيب تخشى من انفجار يؤدى لفوضى وانهيار لحكم حماس، قد تقود لحرب ضد إسرائيل.
يحلو لجماعة الإخوان وأنصارها، اتهام السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس بأنها صنيعة فى يد إسرائيل، وتنسق معها أمنيًا، بل وتمنع المقاومين من تنفيذ عمليات ضد العدو الصهيونى.
قد يكون ذلك صحيحا، لكن سببه الأساسى هو الخلل الفادح فى موازين القوى على الأرض، وتخلِّى العرب عن الفلسطينيين. السلطة وقعت فى أخطاء قاتلة، لكن حماس تسببت أيضا فى أخطاء كارثية.
أكتب هذه الكلمات ليدرك الحنجوريون أن إسرائيل الأكثر استفادة من الوضع القائم منذ انقلاب حماس، وسيطرتها على قطاع غزة عام ٢٠٠٧. بل إن الواقع يقول إن إسرائيل سعت لحدوث ذلك عمليا.
قابلت الرئيس أبومازن أكثر من مرة فى القاهرة وعواصم عربية، وقال فى إحداها إنه قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام ٢٠٠٦ بشهور تأكد أن حماس ستكتسح، وأنه أبلغ المصريين والأمريكيين والإسرائيليين بذلك، طالبًا منهم تأجيل الانتخابات سعيًا لإقناع غالبية الناس بالتصويت لحركة فتح، وهو الأمر الذى تفهَّمه المصريون، لكنه فوجئ بالأمريكيين يهددونه بعقوبات إذا أجَّل الانتخابات، وفوجئ أكثر بأن الإسرائيليين، الذين كانوا يرفضون أى مظهر للسيادة الفلسطينية فى القدس الشرقية المحتلة، يوافقون على فتح لجان للتصويت بالمدينة.
لا نلوم حماس على أنها نجحت، وأقنعت الفلسطينيين ببرنامجها، لكن نلوم الرئيس أبومازن وسلطته على ذلك، واللوم الأكبر على إسرائىل التى حاصرت السلطة فى مقر المقاطعة فى رام الله، وأمعنت فى إذلالها، بل وقتلت الرئيس الراحل ياسر عرفات بالسم. لكن حماس، لم تلتفت إلى الأخطر، وهو أن إسرائيل سهلت وصولها للحكم، ليس حبًا فى برنامجها الإخوانى، لكنها خططت للأمر بمكر شديد يليق بها، وأقنعت أمريكا بأن فوز حماس سيجعلها إنْ آجلًا أو عاجلًا تختلف مع أبومازن وسلطته، وهو ما يعنى انقساما فلسطينيا يتم تغذيته باستمرار؛ لأن التوحد يعنى مقاومة حقيقية، أو البدء فى مفاوضات جادة تقود لحل عادل أو حتى شبه عادل.
لم تفهم حماس اللعبة، وسقطت فى المصيدة بنفس «الغشومية» التى وقع فيها الإخوان فى مخطط انتخابات الرئاسة المصرية عام ٢٠١٢، بدعم من واشنطن، سواء أوباما الديمقراطى أو ماكين الجمهورى.
هل تلاحظون أن هناك «فيتو» إسرائيليًا دائمًا على أى محاولة مصالحة بين «فتح» و«حماس»، أو حتى بين «فتح أبومازن» و«فتح محمد دحلان»؟!!.
هى تفننت فى زرع بذور الفتنة والانشقاق الدائم فى المجتمع الفلسطينى.. وعندما تفشل فى ذلك تلجأ للعدوان السافر، كما حدث فى عدة محطات آخرها عام ٢٠١٤.
لا أقصد من كل ما سبق أن حماس عميلة لإسرائيل. بل إنها، وبحسن نية شديد، أفادت إسرائيل بأكثر مما كانت تتخيل. حماس كانت تعتقد أنها مبعوثة العناية الإلهية لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، لكنها اكتشفت قسوة الحقائق على الأرض، ولذلك غيرت من ميثاقها قبل شهور وأزالت منه انتماءها للإخوان، واعترفت بحدود ١٩٦٧.
هذا الأمر يعنى ــ حتى لو كان على الورق فقط ــ أنها اكتشفت أن إطلاق الشعارات الفضفاضة شىء، والواقع شىء آخر.. قبل وصولها للسلطة كانت تنتقد «فتح»؛ لأنها تمنعها من المقاومة واليوم هى تعتقل العديد من كوادر المنظمات الأخرى المقاومة بالفعل، أو «مدعية النضال»؛ لأنها تدرك ما لم تكن تدركه قبل عام ٢٠٠٦.
السؤال: ما هو الحل؟! ببساطة أن تقرأ حماس الواقع بدقة وتقبل بحكومة وحدة وطنية حقيقية، وأن تتوقف عن الادعاء باحتكار الحقيقة، وإذا كانت قد فكرت بطريقة برجماتية مؤخرا مع مصر، فلماذا لا تكرر الأمر، مع محمود عباس.. لماذا تصر على الاحتفاظ بكل قطاع غزة رهينة حتى تستمر فى السلطة، حتى لو كان الثمن هو خنق القطاع اقتصاديًا وليس فقط بالحصار الإسرائيلى المستمر؟!