شابات وشبان تونس يُهاجرون.. وحكومة قيس لا ترى ولا تسمع
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 4 سبتمبر 2022 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، تحدثت فيه عن فشل الرئيس التونسى قيس سعيد فى إدارة ملف الهجرة غير النظامية، وكيف اتخذ هذا الملف مؤخرا أبعادا جديدة... نعرض من المقال ما يلى:
التفّ عدد من الشبّان والشابات حول «قيّس سعيّد» لأنّهم رأوا فيه الرجل البسيط و«العادى» والقريب من شرائح كثيرة من المجتمع، والعمول على كسر الصور النمطية التى تُسيّج النخب (النرجسية، الاستعلاء، ...)، والحريص على تجاوز العراقيل والحدود، والطامح إلى إحداث التغيير فى الواقع. فكان فى نظرهم، الأستاذ / الأب/ المخلّص/ و... والقائد «الثورى» الذى «يشبههم» ويقاسمهم الحلم، والأمل... ويشترك معهم فى التعبير عن مشاعر الغضب والاستياء وفى مقت «أصحاب الامتيازات»...
وقد وعد الرئيس «قيس سعيد» فى رحلة سعيه إلى الرئاسة، كلّ من التفوّا حوله بأن يسعى إلى ترسيخ نظام عادل يحمى حقوق الأشخاص المسحوقين والمهمّشين على وجه الخصوص، ويحقّق لهم جزءا من أحلامهم. فكان تعيين بعض الولاة والمعتمدين معبّرا عن هذا التصوّر.
ولئن كان العمل على تجاوز واقع استشرت فيه «الحقرة» واتّسعت فيه الفجوة بين الطبقات محمودا فإنّ تدبير ملفّ الهجرة غير النظامية يثبت التناقض فلا نعثر على اهتمام كبير بالشبان والشابات وسائر الشعب التونسى، بل نرى غياب الخطط، وعجز المسئولين عن الاهتمام بهذا الملف ووضعه ضمن الأولويات، وعدم حرصهم على إيقاف هذا النزيف مثلما عجزوا فى إدارة ملفّ التلوّث...
وهنا حقّ التساؤل عن أسباب التمييز بين الشبّان من الجنسين؟ فما هى معايير الفرز بينهم؟ هل أنّ المعيار جندرى فالأولوية هى للشبّان فى مواقع صنع القرار ولا «عزاء للشابّات»؟ هل أنّ المعيار سياسى/ أيديولوجى فمن لم يُناصر المشروع «القيسى» لُفظ؟ (وهنا نحاكى سياسات من «ثرنا عليهم» وانتقدنا سياساتهم). ثمّ ما هى سياسة الدولة تجاه الحريصين على مغادرة البلاد سواء أكانوا من أصحاب الوظائف والأملاك (المُعارين) أو من المعطّلين والمفقّرين؟
تُطالعنا التقارير، ونتابع الإحصائيات واستطلاعات الرأى ونشاهد الوثائقيات التى تنجزها وسائل الإعلام الغربية والعربية على حدّ سواء، وتوظّفها أيما توظيف، ونواكب نجاح «الأدمغة التونسية» هنا وهناك، ونستمع إلى الشهادات: كيف يكون تدبير الهجرة/الحرقة، وما هى مسالكها الجديد، ومن هم/ن الملتحقون مؤخرا بهذه الأعداد الضخمة من التونسيين والتونسيات المصمّمين على مغادرة بلاد صارت فى نظرهم «الجحيم»، وتصدمنا صور الحوامل والأطفال والرضّع، وأصحاب الاحتياجات الخاصّة، والقطط الأليفة وأغانى المزود، والضرب على الدفّ احتفاء بسفرة دون عودة...
ومن حقّنا كمواطنين ومواطنات أن نتساءل: ما ردّ فيلق من الوزراء على صيحات الأهالى وانتحاب الثكالى: وزير الشئون الاجتماعية، ووزير الاقتصاد، ووزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، ووزير الشباب والطفولة، ووزير الشئون الخارجية، ووزير الداخلية...؟ ألا تكتسى مطالبة الأهالى الدولة بوضع السياسات الشمولية فى أسرع وقت، شرعيتها ضمن مشروع العدالة الاجتماعية وخطاب وعد بـ«العدل» بين كلّ التونسيين أم أنّ هؤلاء المُحتجين لا يعتبرون من «الشعب»؟ كيف نقرأ ارتفاع عدد المهاجرين والمهاجرات غير النظامين بعد 25 يوليو؟ وكيف نفسّر تحوّل الهجرة اللانظامية إلى مشروع عائلى موسّع؟ وكيف نحمى الرضّع والقصّر من أسر زجّت بهم قسرا فى مشروع «الحرقة»؟
يُخيّم الصمت على الرئيس المتعاطف مع الشبان والأشخاص المستضعفين والمكدودين... ويصمت أعضاء الحكومة أو يُصمّتون فلا ذكر لهذه الشريحة من المواطنين فى الخطاب الرسمى لأنّهم ببساطة صاروا من اللامرئيين. وحدها «المعالجة الأمنية» والعقابية الكفيلة بإرجاع من فرّ وأحرق جوازه وتنكّر لجنسيته ولغته... لا حبا فيه والتزاما باحترام حقوقه بل إذعانا للاتفاقيات المبرمة والضغوط المسلّطة على بلد لم يراقب حدوده فهبّت الجموع زُرافات ووُحدانا.
وفى انتظار استفاقة الضمير والشعور بالمسئولية ونداء الواجب وتوفّر الاستعداد لدى المسئولين عن تسيير البلاد والمتحمسين لتحقيق التنمية المستدامة والكرامة والعدل والإنصاف... يتخّذ الملف أبعادا جديدة تزيد الموضوع تعقيدا. فنحن إزاء الهجرة المناخية، وهجرة الفارّين من سوريا وليبيا وعدد من البلدان الأفريقية بسبب النزاع والحرب الأهلية، وبسبب التطرّف العنيف (مالى، والنيجر، والموزانبيق...) وغيرها. فكيف لدولة أن تتعاطى مع الوافدين إليها، والراغبين فى الاستقرار بتونس وهى التى لم تستطع أن تخاطب مواطنيها وتتفاعل معهم وتشرح لهم وتقنعهم بـ«الصبر الجميل»؟