عدم المساواة.. والديمقراطية
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الإثنين 4 سبتمبر 2023 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
مع تزايد الحكم الاستبدادى والسلطوى فى العالم متخذا شكلا من أشكال الشعبوية، نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب جوزيف إستيجليتس، تناول فيه أسباب اكتساب هؤلاء الحكام هذه الجاذبية والشعبية... نعرض من المقال ما يلى.
لقد أثار تراجع الديمقراطية وصعود الأنظمة الاستبدادية جدلا فى السنوات الأخيرة. بدءا من رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان إلى الرئيس البرازيلى السابق جايير بولسونارو والرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، لدينا قائمة متزايدة من السلطويين المحتملين الذين يوجهون شكلا غريبا من أشكال الشعبوية اليمينية. وفى حين يعدون بحماية المواطنات والمواطنين العاديين والحفاظ على القيم الوطنية القديمة، فإنهم يتبعون السياسات الكفيلة بحماية الأقوياء.
وعلى الرغم من وجود العديد من التفسيرات، إلا أن أحد الأسباب البارزة يتمثل فى اتساع فجوة التفاوت، وهى مشكلة تفرضها الرأسمالية النيوليبرالية الحديثة وترتبط فى نواحٍ كثيرة بتآكل الديمقراطية. إن التفاوت الاقتصادى يؤدى حتما إلى التفاوت السياسى، وإن كان بدرجات متفاوتة بين البلدان.
فى الواقع، يمكن أن يعزز هذا التفاوت السياسى نفسه ذاتيا، مما يؤدى إلى ظهور سياسات تعمل على زيادة ترسيخ عدم المساواة الاقتصادية. فمثلا تفضل السياسات الضريبية الأغنياء. علاوة على ذلك، نظرا لخضوع وسائل الإعلام لهيمنة شركات خاصة يملكها أثرياء، فإن قسما كبيرا من الخطاب السائد يميل إلى تعزيز نفس الاتجاهات. فلطالما قيل للأشخاص مستهلكى الأخبار إن فرض الضرائب على الأغنياء يضر بالنمو الاقتصادى، وأن ضرائب الإرث هى ضرائب على الموت.
وفى هذا السياق الذى تحكمه الرأسمالية دون مساءلة، هل ينبغى لنا أن نندهش إزاء اعتقاد العديد من الناس بأنه تم التلاعب بالنظام؟ إن التصورات السائدة على نطاق واسع بأن الديمقراطية قد حققت نتائج غير عادلة أدت إلى تقويض الثقة فى الديمقراطية ودفعت البعض إلى استنتاج مفاده أن الأنظمة البديلة قد تحقق نتائج أفضل.
وكانت إحدى النتائج تتمثل فى الاستقطاب المتزايد، الذى يعيق عمل الديمقراطية ــ خاصة فى دول مثل الولايات المتحدة، وذلك من خلال الانتخابات حيث يحظى فيها الفائز بكل شىء. بحلول الوقت الذى تم فيه انتخاب ترامب فى عام 2016 بأقلية من الأصوات الشعبية، أصبحت السياسة الأمريكية، التى كانت تفضل ذات يوم حل المشكلات من خلال التسوية، صراعا حزبيا واضحا على السلطة.
وعندما يصبح الاستقطاب مفرطا إلى هذا الحد، فسوف يبدو الأمر غالبا وكأن المخاطر أعلى من أن يسمح لنا بالتنازل عن أى شىء. وبدلا من البحث عن أرضية مشتركة، سوف يستخدم القائمون على السلطة الوسائل المتاحة لهم لترسيخ مواقفهم ــ كما فعل الجمهوريون علنا من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية واتخاذ التدابير اللازمة لقمع التصويت.
تعمل الديمقراطيات على أفضل وجه عندما لا تكون المخاطر المحتملة أقل مما ينبغى أو أعلى مما ينبغى (إذا كانت المخاطر منخفضة للغاية، فلن يشعر الناس بالحاجة إلى المشاركة فى العملية الديمقراطية على الإطلاق). لطالما اعتبرت الولايات المتحدة نفسها منارة للديمقراطية. وعلى الرغم من النفاق الذى كان قائما باستمرار، من تقرب رونالد ريجان إلى أوجستو بينوشيه، إلى فشل جو بايدن فى إبعاد نفسه عن السعودية أو إدانة التعصب المناهض للمسلمين الذى تمارسه حكومة رئيس الوزراء الهندى مودى ــ فقد جسدت أمريكا على الأقل مجموعة مشتركة من القيم السياسية.
ومع ذلك، أصبحت فجوة عدم المساواة الاقتصادية والسياسية أكثر اتساعا فى الوقت الراهن، حيث أصبح العديد من الناس يرفضون الديمقراطية. تعد هذه أرضا خصبة للأنظمة الاستبدادية، خاصة لهذا النوع من الشعبوية اليمينية التى يمثلها ترامب وبولسونارو وآخرون. ومع ذلك، أظهر مثل هؤلاء القادة أنهم لا يملكون أيا من الإجابات التى يسعى إليها الناخبات والناخبون الساخطون. بل على العكس، فإن سياساتهم تزيد الأمور سوءا.
من خلال الاستعانة بالإصلاحات اللازمة، يمكن للديمقراطيات أن تصبح أكثر شمولا، وأكثر استجابة للمواطنين والمواطنات. ومع ذلك، سيتطلب الأمر إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية. ولن يتسنى أن نبدأ فى تعزيز رفاهية كل الناس بشكل عادل ــ وتقويض الشعبويين ــ إلا عندما نتخلى عن الرأسمالية النيوليبرالية.
النص الأصلي