تونس تعود إلى سابق عهدها
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأربعاء 4 أكتوبر 2017 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى مقالا للكاتب «أمير الصفاقسى» ــ زميل فولبرايت فى الجامعة الأميركية ــ حول عودة تونس إلى سابق عهدها وذلك بسبب التغيير الحكومى، قانون المصالحة الإدارية، وتأجيل الانتخابات فى تونس مما أدى بدوره إلى تعاظم الاستياء العام من الأوضاع التى يُنظَر إليها بأنها عودة إلى نظام بن على.
بداية ذكر الكاتب بأنه وفى سبتمبر 2017، وافق مجلس نواب الشعب التونسى على الحكومة الجديدة التى شكّلها رئيس الوزراء يوسف الشاهد، وهى المرة الثامنة التى تشهد فيها البلاد تغييرا حكوميا منذ الثورة فى العام 2011. على الرغم من أن الشباب التونسى أبدى تفاؤله بدايةً حيال الشاهد لدى تسلّمه رئاسة الوزراء فى أغسطس 2016 بسن الأربعين، إلا أنهم يشعرون الآن بخيبة الأمل من حكومته الجديدة التى تضم وزراء كانوا جزءا من النظام القديم فى عهد زين العابدين بن على. أعلن الشاهد، فى الكلمة التى ألقاها لمناسبة تقديم الحكومة الجديدة إلى البرلمان، أنه يُنتظَر من «حكومة الحرب» التى يترأسها مكافحة الفساد، ومعالجة الاضطرابات الاجتماعية فى المناطق الداخلية، والقيام بإصلاحات «مؤلمة». لكن فى الأسبوع عينه، طرح تطوّران سياسيان غير شعبيَّين إلى حد كبير، علامات استفهام حول الانتقال الديمقراطى فى تونس. ففى 13 سبتمبر، أقرّ البرلمان قانون المصالحة الإدارية، الذى يمنح العفو لمسئولين من النظام القديم يُشتبَه فى تورّطهم فى صفقات الفساد أو ضالعين فى هذه الصفقات، فى حال أقدموا على إعادة الأموال إلى الدولة. بعد بضعة أيام، فى 18 سبتمبر، عمدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى إرجاء الانتخابات التى كان من المقرر إجراؤها فى ديسمبر، وذلك إلى أجل غير مسمّى. لقد تسبّبت هذه الخطوات بتعاظم الاستياء العام، وأثارت مخاوف من أن الحكومة المعيَّنة حديثا قد تدشّن حقبة جديدة من السلطوية.
***
يبدو أن حكومة الشاهد الجديدة تُبقى على الوضع القائم، بيد أن نظرة عن كثب إلى التعديل الوزارى تُظهر ترسيخ حزب نداء لتونس لموقعه، والمحاولات التى يبذلها الرئيس من أجل تعزيز السلطة التى يتمتع بها منصب الرئاسة. فى حين أن الحكومة الجديدة تحتفظ بحقائب وزارية للشركاء الآخرين فى ائتلاف حكومة الوحدة – بما فى ذلك وزراء من النهضة، وآفاق تونس، والمسار، والجمهورى – إلا أنها تتضمن عددا أكبر من المستقلين الذين تجمعهم روابط أوثق بحزب نداء تونس. من الوزراء الذين أُخرِجوا من الحكومة وزيرتان هما سيدة الونيسى، كاتبة الدولة فى وزارة التكوين المهنى والتشغيل، من حزب النهضة الإسلامى، وفاتن قلال، كاتبة الدولة فى وزارة شئون الشباب والرياضة، من حزب آفاق تونس. وقد أُبقى على وزراء آخرين من حكومة الشاهد السابقة – بينهم رياض المؤخر، وزير الشئون المحلية، ومهدى بن غربية، الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدنى وحقوق الإنسان – على الرغم من الاشتباه فى ضلوعهم فى الفساد. من الوزراء الجدد وزير التربية حاتم بن سالم، وهو شخصية مستقلة تولّى الحقيبة الوزارية نفسها فى عهد بن على من العام 2008 إلى العام 2011، ويعتبره كثرٌ مدافعا عن النظام السابق نظرا إلى مواظبته على إنكار انتهاكات نظام بن على لحقوق الإنسان. أما وزير المالية الجديد، رضا شلغوم، وهو أيضا شخصية مستقلة وكان يتولى الحقيبة الوزارية نفسها فى عهد بن على، فهو مقرّب من أسرة بن على، ويُشتبَه فى أنه ساعدها على كسب ثروة غير مشروعة قبل الثورة.
لكن على الرغم من أن التعديل الوزارى جعل الشاهد يتعرض لسهام الغضب العام، إلا أنه ليس على الأرجح المهندس الحقيقى لهذا التعديل. بل إن تدخّل الرئيس باجى قائد السبسى واضح فى الخيارات الوزارية. كان العديد من المعيَّنين الجدد، مثل وزير المالية رضا شلغوم ووزير الصحة العامة سليم شاكر، مستشارين رئاسيين سابقا. ويُعرَف أيضا عن وزير الدفاع عبدالكريم زبيدى ووزير الداخلية لطفى براهم أنهما مقرّبان من حزب نداء تونس، ومن السبسى شخصيا. لعلها محاولة من الرئيس التونسى لممارسة تأثير على مزيد من المؤسسات الحكومية، لا سيما منذ خسارة نداء تونس أكثريته البرلمانية بسبب انقساماته الداخلية اعتبارا من العام 2014 – من 85 مقعدا من أصل 217 إلى 58 مقعدا، ليحتل المرتبة الثانية بعد النهضة التى حصلت على 68 مقعدا. ومن المرتقب أيضا أن يشقّ نجل الرئيس، حافظ قائد السبسى، وهو شخصية مثيرة للجدل تسبّبَ بظهور الانقسامات داخل حزب نداء تونس من خلال سعيه إلى السيطرة على قيادته – من المرتقب إذا أن يشقّ طريقه نحو البرلمان. بعد يوم واحد من التعديل الحكومى، أعلن نداء تونس أن حافظ السبسى هو مرشّحه لملء المقعد البرلمانى الذى أصبح شاغرا مع قيام الشاهد بتعيين حاتم الفرجانى، الذى كان نائبا فى كتلة نداء تونس، كاتب دولة لدى وزير الشئون الخارجية. وقد اعتبر المجتمع المدنى أن هذا التعيين هو خطوةٌ إضافية تندرج فى إطار المحسوبيات التى يمارسها الرئيس ونجله.
***
تعكس المحاولات التى يقوم بها السبسى لتعزيز مكانته ومكانة حزبه فى الحكومة، اعتقاده بأن دور الرئيس «محدود جدا فى المنظومة شبه البرلمانية فى تونس. أشار أيضا إلى أنه ربما حان الوقت للنظر فى تعديل الدستور من أجل منح السلطة التنفيذية مزيدا من الصلاحيات. ويظهر تأثيره أيضا فى المبادرتَين الأخيرتين. يستند قانون المصالحة إلى النص الذى قدّمه الرئيس إلى مجلس النواب فى العام 2015، مع العلم بأن البرلمان قام بتعديله لينطبق فقط على المسئولين العامين، وليس على رجال الأعمال، من حقبة بن على. وقد انتقد المجتمع المدنى الحكومة لأنها ضغطت على البرلمان لإقرار مشروع القانون بدلا من إعطاء الأولوية للتشريعات التى تُعتبَر أكثر إلحاحا – مثل قانون السلطات المحلية المعروف بمجلة الجماعات المحلية – وتمهيد الطريق للانتخابات عبر تعيين أعضاء جدد فى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للحلول مكان أولئك الذين قدّموا استقالتهم فى مايو الماضى. كان يُتوقَّع من الانتخابات المحلية تحويل السلطة بعيدا من الحكومة المركزية ونقلها إلى السلطات فى المناطق، لكن انطلاقا من الحسابات السياسية التى ارتأت أن الحزب لن يتمكّن من الحصول على مقاعد كثيرة فى تلك الفترة الزمنية، اختار حزب نداء تونس والحكومة التى يقودها إرجاء الانتخابات.
على الرغم من أن هذه الإصلاحات تعكس بصورة أكبر تأثير السبسى، إلا أن الشاهد مرغَم على القبول بها ودعمها، فمع أنه أصبح أكثر شعبية فى أوساط التونسيين بعد إعلانه حربه على الفساد فى مايو 2017، لا يزال يعتمد على الرئيس للحصول على الدعم السياسى. لقد عرّضه الوضع الاقتصادى والسياسى المشحون الذى تتخبط فيه البلاد، للانتقادات من داخل حزبه السياسى ومن قادة المعارضة. علاوةً على ذلك، تتسبب الإصلاحات الأخيرة بإضعاف الدعم الذى يقدّمه مجلس النواب لرئيس الوزراء وحزب نداء تونس، وتقويض الخطط الآيلة إلى تطبيق الإجراءات التقشفية المؤلمة التى يفرضها صندوق النقد الدولى فى العام 2018. الهجوم الكبير الأحدث عهدا على الشاهد صدر عن حليفه المفترَض، حزب النهضة، الذى طلب زعيمه راشد الغنوشى من الشاهد أن ينسى أمر الترشح للانتخابات فى العام 2019، محذّرا إياه من مغبة «استغلال الوضع السياسى». ليس أمام الشاهد من خيار سوى أن يكون «رجل الرئيس»، على الرغم من أنه يقضى بذلك على صورته فى عيون التونسيين، لا سيما الشباب منهم.
***
لقد أدّى تأجيل الانتخابات المحلية، التى يُتوقَّع أن تساهم فى تحفيز التنمية المحلية ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المزرية فى المناطق الداخلية التونسية التى تشهد تململا واضطرابات، وكذلك إقرار قانون المصالحة الإدارية الذى يثير جدلا واسعا، إلى زعزعة الثقة بالتزام الحكومة بالانتقال الديمقراطى فى تونس فى شكل عام، وبحملة مكافحة الفساد فى شكل خاص – ما جعل التونسيين، مرةً أخرى، فى حالة من الغضب والحرمان من الحقوق.
النص الأصلي
الاقتباس
لقد أدّى تأجيل الانتخابات المحلية، التى يُتوقَّع أن تساهم فى تحفيز التنمية المحلية ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المزرية فى المناطق الداخلية التونسية التى تشهد تململا واضطرابات، وكذلك إقرار قانون المصالحة الإدارية الذى يثير جدلا واسعا، إلى زعزعة الثقة بالتزام الحكومة بالانتقال الديمقراطى فى تونس.