حرب شاملة.. أم تهدئة محتملة؟
خالد سيد أحمد
آخر تحديث:
الجمعة 4 أكتوبر 2024 - 6:25 م
بتوقيت القاهرة
أعادت الضربة الصاروخية الإيرانية، رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى أرض الواقع، بعدما أصابه الغرور والتبجح والغطرسة، وكان قريبا من الادعاء بتحقيق الانتصار على الجميع، قبل حلول الذكرى السنوية الأولى لهجوم طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر.
حاول نتنياهو على مدار عام كامل تفكيك «طوق النار» الإيرانى فى المنطقة، والذى تمكنت طهران خلال سنوات طويلة مضت من نسج خيوطه المعقدة وبناء دوائره المحكمة ودعم مفاصله ماليا وتقوية هياكله عسكريا، بصبر وإحكام وهدوء وروية، مثلما يفعل دائما صانع السجاد الإيرانى، حتى أصبح عنصر إزعاج وتهديد وردع للكيان الصهيونى، و«حصانة» قوية لمصالح إيران الإستراتيجية فى الإقليم.
بدأت رحلة تفكيك «طوق النار» من غزة، التى خرج منها «طوفان الأقصى»، والذى شكل تهديدا وجوديا هو الأهم والأخطر والأكثر رعبا للكيان الصهيونى منذ تأسيسه على الأرض العربية، ولم يمض العام حتى افترست آلة الحرب والدمار الاسرائيلية القطاع وحولته إلى أنقاض، وأصبح مكانا لا يصلح للحياة فى ظل صمت عربى مخز وتواطؤ دولى مشين تجاه حرب الإبادة والمجازر الجماعية التى ارتكبها الاحتلال، وأدت إلى استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.
بعد الانتهاء من «تحييد» القسم الأكبر من مقاومة غزة، وجه الاحتلال نيرانه إلى لبنان، حيث يتواجد حزب الله، الذى يعد الحلقة الأكثر إزعاجا وقوة فى «طوق النار» الإيرانى، وخلال عشرة أيام فقط، وبفضل التقنية والتقدم العلمى والتكنولوجى للكيان الصهيونى، وحجم الاختراق غير المسبوق فى جسد الحزب، تمكنت إسرائيل من توجيه ضربات هائلة قضت على أبرز رموزه وقادته السياسية والعسكرية، ودمرت قسما كبيرا من مخزون أسلحته فى الجنوب اللبنانى، ما دفعها إلى الشروع فى الغزو البرى لتقضى على الحزب الذى تسبب فى نزوح مستوطنيها من شمال فلسطين المحتلة منذ عام.
الضربات الإسرائيلية المؤثرة ضد أكثر من جبهة لـ«طوق النيران» الإيرانى فى المنطقة رفعت من سقف الغرور والصلف لدى نتنياهو، حيث لم يتوان عن الادعاء بالبدء فى تشكيل وتغيير خريطة الشرق الأوسط بقوة السلاح، كما تبارى أركان حكومته وقادة جيش الاحتلال فى التباهى والتفاخر والحديث القاطع المانع عن أنه لا يوجد فى المنطقة مكان لا يستطيعون الوصول إليه!!
هذا الوضع أصاب البعض باليأس والإحباط جراء عدم القدرة على لجم هذا الكيان وكبح شهيته فى استباحة الأرض والشعوب العربية تدميرا وقتلا، حتى جاءت «ضربة الثلاثاء» الصاروخية الإيرانية، التى أعادت إلى حد كبير توازن القوة المفقود مع دولة الاحتلال، وكشفت أن ما تحدث به نتنياهو وأركان حكومته وقادة جيشه لم يكن أكثر من نشوة انتصار مؤقت فى حرب لا تزال ساحاتها مشتعلة ومفتوحة على كافة الاحتمالات.
الضربة الإيرانية التى لا يخجل البعض فى عالمنا العربى من وصفها بالمسرحية الهزلية كانت مهمة للغاية من الناحية الإستراتيجية ومؤثرة إلى حد كبير من الناحية العسكرية، وهو ما ظهر بشكل واضح على ملامح وحركات نتنياهو عند إلقائه كلمة متلفزة عقب الهجوم الإيرانى، حيث بدت يداه ترتعشان مما جعل الورقة التى يمسك بها تهتز!!
ليس هذا فقط، بل إن صحيفة معاريف الإسرائيلية قالت إن الأضرار التى تسبب فيها الهجوم الإيرانى على قاعدة نيفاتيم الجوية العسكرية من شأنها أن تؤثر سلبا فى قدرات الدفاع الجوى الإسرائيلى، إذ ألحق الهجوم «أضرارا جسيمة» بالقاعدة التى تقع فى صحراء النقب.
أما وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية فنشرت صور أقمار اصطناعية تُظهر ثقبا كبيرا فى مستودع طائرات بالقاعدة العسكرية، كما يمكن رؤية قطع كبيرة من الحطام متناثرة حول المبنى، وذلك بعد القصف الإيرانى المكثف.
إذن الضربة الإيرانية كانت أمرا ضروريا وملحا ومهما فى عنصر التوقيت لأسباب عدة، أهمها حفظ ماء وجه طهران بعدما تعرضت للإهانة والإذلال كثيرا من قبل الكيان الصهيونى عن طريق قيامه بعمليات اغتيال عديدة طالت ضيوفها ومسئوليها سواء فى عقر دارها أو خارج حدودها، وكذلك لفرملة استهدافه المتزايد لأذرعها فى المنطقة، حتى لا يتفكك عقد «طوق النار» الذى استثمرت فيه على مدى سنوات طويلة، بل ودفعها إلى استعادة المبادرة لمواجهة الصلف الإسرائيلى وهو ما بدا واضحا على الجبهة اللبنانية، وأيضا استباقا لأى مغامرة قد تقدم عليها دولة الاحتلال من أجل نقل الحرب والدمار إلى أراضيها فى المرحلة التالية بهدف القضاء على برنامجها النووى الطموح.
على أى حال، فإن الضربة الصاروخية الإيرانية والرد الإسرائيلى المتوقع ربما يفتحان الباب أمام انزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية شاملة أو تهدئة محتملة وترتيبات جديدة فى الإقليم، وهو ما يستدعى بالضرورة استفاقة عربية حقيقية للتعامل مع تداعيات السيناريو الأول حتى لا تحترق أوطان عربية ويضيع مستقبل شعوبها وأمنها واستقرارها أو الاستعداد للتعامل مع إرهاصات السيناريو الثانى، الذى قد تكون التفاهمات الناتجة عنه خصما من مصالحنا وحقوقنا وأرضنا.