ما التعريف العربى للديمقراطية؟
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 4 نوفمبر 2020 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
هناك محاولات متنوعة ومستمرة ومتصاعدة، خارجية وداخلية، لإشغال الإنسان العربى، وعلى الأخص الشابات والشباب، بالظرفى والمؤقت والعابر حتى لا يكون لديه الوقت للتركيز على الثابت والجوهرى. ولذلك فما أن تنطفئ نار فى مكان حتى تشعلها تلك الجهات فى مكان آخر، تساعدها فى كثير من الأحيان غوغائية مفتعلة باسم الدين أو المذهب أو الكرامة الوطنية أو غيرها من الشعارات المنفسة للاحتقان الدائم فى الإنسان العربى.
من بين الثوابت التى يجب ألا تغيب عن المسرح العام ولا ليوم واحد، فكرا ونقاشا ونضالا، موضوع انتقال المجتمعات العربية إلى نظام سياسى اقتصادى ديمقراطى عادل. ولأنه لا يوجد تعريف واحد لكلمة الديمقراطية ولا منهج واحد لتطبيقها ولا فهم واحد لنوع ارتباطها بكثير من الكلمات السياسية الرائجة، من مثل الشورى والحرية والفردانية والعلمانية والرأسمالية إلخ... فإنه من الضرورى أن يوجد نقاش عام فى مجتمعات العرب يأخذ بعين الاعتبار، قبولا أو رفضا أو نقدا وتعديلا، تراثهم التاريخى الاجتماعى والثقافى والسياسى، وواقعهم الوطنى والقومى الحالى، وعلى الأخص تجاربهم المريرة منذ بدء استقلالهم الوطنى الذى لم ينجز بعد.
وحتى يدرك شباب الأمة، وعلى الأخص من القابضين على الجمر وحاملى مسئولية الالتزام الوطنى والقومى، مقدار تعقدُ الموضوع دعنا نحاول مراجعة التعريفات التى أعطيت لكلمة الديمقراطية عبر التاريخ. لقد بدأت كتركيبة كلامية فلسفية، بمعنى حكم الجماهير، من قبل بعض فلاسفة اليونان. ولكن رفضها فى الحال أفلاطون إذا اعتبر أن ذلك التعريف سيعنى حكم الفقراء والجهلة للمتعلمين وقادة المعرفة. وتبعه الفيلسوف أرسطو بأنها يجب أن تعنى الحكم الصالح، حيث تحكم أقلية ولكن برضى الأكثرية. وهكذا، ومن البداية، أدخلت أرستقراطية حكم الأقلية فى نظام حكم قصد به أن يكون حكم الأكثرية لشئون حياتها العامة. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الديموقراطية تعنى كل شىء لكل الناس وذلك حسب تعريفها ككلمة بمختلف اللغات البشرية. ولذلك فليس بمستغرب أن تلحق بالديمقراطية عبر القرن العشرين صفات تقود إلى طرح شعارات ديمقراطية الرئاسة أو الديمقراطية الأساسية أو الديمقراطية الموجهة أو الديمقراطية العضوية أو الديمقراطية الانتقائية أو الديمقراطية الجديدة أو الديمقراطية الشعبية. ولا يتسع المجال لذكر أسماء وظروف وتعريفات البلدان التى طرحت تلك الشعارات فى كل أنحاء العالم، ومنها بعض بلاد العرب، سواء أكانت بنوايا صادقة أو بنوايا انتهازية غوغائية.
وحتى تزداد الصورة تعقيدا طرح كتاب وقادة سياسيون تعريفات وتوصيفات لا حصر لها ولا عد: «حكم الأغلبية»، «رضى الأغلبية»، «سلطة الإرادة العامة»، «الحكم الدستورى». وأثار البعض المخاوف بشأن طفيان وديكتاتورية الأغلبية أو الغوغاء. واشترط البعض حق التصويت لمن أنهوا التعليم الثانوى كحد أدنى. وأصر البعض على أنه لا ديموقراطية حقيقية بوجود حكومة كبيرة. وخوفا من جمودها شدد البعض على أن الديمقراطية ليست عقيدة أو نظرية فلسفية وإنما هى منهاج تنظيمى للقوانين ولمؤسسات المجتمع من أجل السلام الأهلى. ولم ينس البعض موضوع العقد الاجتماعى الشهير فيما بين الناس وسلطة الحكم.
وفى المدة الأخيرة، وبسبب إعراض الكثيرين عن المشاركة فى الانتخابات، اقترح البعض أن تكون المشاركة فى الانتخابات إجبارية بالقانون، حتى لا تنقلب الديمقراطية إلى حكم بإرادة أقلية مهتمة وبقبول من أكثرية غير مهتمة.
وفى بلاد العرب أقحم البعض موضوعى طاعة ولى الأمر والشورى، المختلف حول فهمها وتفسيرهما عبر تاريخ العرب كله، فى قلب المناقشات بشأن الديمقراطية لينتهى الأمر بانقسامات حادة حول هذا الموضوع الذى ما عاد يستطيع تحمل التأجيل والانتظار فى أرض عانت كثيرا من حكم الاستبداد عبر تاريخها كله.
لنتذكر بأننا اقتصرنا على الحديث عن تعريفات وفهم الديمقراطية على مستوى مختلف البلدان والثقافات والأنظمة السياسية. وذلك من أجل إبراز الأفهام والتطبيقات غير المتماثلة والتى لها تأثيرات هائلة على ممارسة الديمقراطية فى الواقع الإنسانى. ولا نحتاج للتأكيد بأننا لا نقصد من إبراز تعقيدات المشهد القول بأدنى شك أو تردد بعدم أهمية الانتقال إلى النظام الديمقراطى أو الإيحاء بتأجيل ذلك الانتقال. إذ لا يوجد حل لإخراج العرب من تخلفهم التاريخى ما لم يحتو على الديمقراطية كجزء أساسى من مكوناته.
وهذا ينقلنا فى الحال إلى ما طرحه البعض من مفكرى وكتاب العرب حول تشابك وتفاعل الموضوع الديمقراطى مع النسيج الاجتماعى والتركيب السياسى وثوابت الثقافة وسلوكيات الفرد فى أرض العرب. وهو ما سيكون موضوعا لمقال مستقبلى آخر.