تسع سنوات من المعاناة: قصة امرأة فى مخيمات حركة الشباب
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 4 ديسمبر 2017 - 10:15 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة «institute for security studies » تقريرا للباحث «كاسيدى باركر» ــ المستشار بمعهد الدراسات الأمنية ــ والذى يتناول فيه قصص العائدات من مخيمات حركة الشباب فى الصومال، ويعرض للمعاناة اللاتى يتعرضن لها على جميع الأوجه ويقترح حلولا لإعادة تأهيلهم وعلاجهم بعد هذه التجربة المريرة.
فى البداية يصف الباحث: ذراعها ممدودة أمامها على الطاولة.. فى اللحظات التالية قامت بسحبهم.. قامت بطيهم فى اتجاه جسدها.. تركز بعينيها.. لا تركز.. تعاود التركيز مرة أخرى.. أكتافها منحنية.. صوتها رتيب.. تبدو غير مهتمة وغير منتبهة.. هى حاضرة غائبة على كل حال.
البشرة الداكنة ليديها ووجهها هو ما يمكن رؤيته من وراء فستانها وحجابها.. جافة ورمادية كما أنها لو تم تنظيفها بشىء خشن جدا.. تسع سنوات فى مخيمات حركة الشباب فى الصومال.
فى الثلاثين من عمرها، «أمينة» وهذا ليس اسمها الحقيقى، تبدو أكبر من عمرها بكثير، لقد ولدت فى ماجينجو فى مومباسا لأسرة مسلمة فقيرة لم تستطع تحمل تكاليف دراستها الثانوية، امتهنت «تنظيف الملابس» لكسب قوت يومها. وعلى الرغم من انفصالها عن زوجها، اقتنعت «أمينة» أن تبحث عن زوجها الذى اختفى دون سابق إنذار والأغلب أنه هاجر إلى الصومال.
لم تكن «أمينة» مدفوعة فقط بأملها فى أن تلتقى بزوجها مرة أخرى، ولكن بشكل خاص كان أملها فى الحصول على فرصة عمل، ولم تحقق أى من الهدفين، بل تم اقتيادها إلى غابات بونى، والمعروفة بأنها مخبأ لحركة الشباب على الحدود مع كينيا والصومال.. ستظل «أمينة» حبيسة هذا المخبأ لتسع سنوات قادمة، كان عمرها حينئذ 21 عاما.
***
لقد كانت «أمينة» واحدة من ضمن ثلاث نساء أخريات واللاتى كانت قصص هروبهن من مخيمات الشباب أساسا لدراسة أجريت أخيرا من قبل معهد الدراسات الأمنية وتدور حول التساؤل الآتى:
التطرف العنيف فى كينيا: لماذا تمثل المرأة أولوية فى أواخر 2016؟
هذه الدراسة تستكشف الأسباب والكيفية التى يمكن من خلالها تضمين المرأة فى التطرف العنيف فى كينيا، وتأثير هذا التطرف العنيف على حياتهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم؟
ويضيف الكاتب أن قصة «أمينة» تسلط الضوء على الطرق التى تتصيد بها حركة الشباب الفقراء والعاطلين عن العمل وتجنيدهم فى صفوفها.
حياة الاعتداء والعنف اليومية
فى المخيم، تقولها «أمينة» بصوت منخفض «كنت محتجزة فى غرفة مظلمة كسجينة»، تعرضت للاعتداء الجنسى مرات ومرات، وقد أجبرنا جميعا وتقصد هنا «النساء» على تعاطى المخدرات من قبل حركة الشباب وخاصة البوجيزى، وهو خليط من الهيروين والمارجوانا والروهينول، والذى يتم استخدامه على نطاق واسع من قبل حركة الشباب، بالإضافة إلى نبات «القات» وهو نبات ينمو فى القرن الإفريقى ويشبه المنبهات، وكل العائدين بالفعل أفادوا بأنهم يتم إجبارهم بشكل مستمر على تعاطى المخدرات.
وتضيف «أمينة» بأنها فى المعسكر تقوم بأعمال الطهى والتنظيف، يتم الاعتداء عليها بدنيا وجنسيا من قبل المقاتلين، فهى معرضة للاعتداء البدنى فى حال لم ينل الطعام استحسانهم، وحياتها مهددة ومعرضة للخطر بشكل مستمر.
يوضح الكاتب أن العنف الجنسى ضد المرأة هو شائع فى مخيمات حركة الشباب، وهم بالفعل يتم استقطابهم وتجنيدهم من أجل هذا الغرض، حتى لا يفكر المقاتلون فى العودة إلى ديارهم، وهذا وفقا لما ذكره محقق فى شرطة مكافحة الإرهاب الكينية.
الفقر والتطرف.. الدائرة المعقدة
فى يوم من الأيام بعد مرور تسع سنوات، تمكنت «أمينة» فى ظل غياب الخاطفين لها عن المخيم، وبمساعدة رجل مسلم من الهرب، وبعد تسعة أيام من الاختباء فى الغابة استطاعت تأمين قارب متجه إلى كينيا حتى تعود إلى أسرتها مرة أخرى.
اليوم تعيش أمينة فى مومباسا، وتقوم على رعاية تسعة أطفال، ستة من أبنائها وثلاثة من أبناء شقيقتها، وهى تعانى من العديد من الأمراض والتى أدت إلى تدهور صحتها ومن ثم حدت من قدرتها على العمل، وتضيف «أمينة» أنها ما زالت تعمل فى تنظيف الملابس لكسب قوت يومها، وعندما لا تستطيع القيام بذلك فهى تعتمد على الدعم المالى المقدم لها من إخوتها. وفى الأشهر التى تلت عودتها لا تزال حالتها المادية صعبة كما كانت دائما والتى كانت السبب وراء تجنيدها من قبل حركة الشباب فى المقام الأول.
منذ أمد بعيد، وحركة الشباب تستغل وتساهم فى التعثر الاقتصادى فى المجتمعات الكينية وتستغلها لتحقيق أهدافها فى مناطق مثل مومباسا وماجينجو، تستغل الفقر والبطالة المنتشرة على نطاق واسع وتعتبرها ميزة تمكنها من إغراء الرجال والنساء وتعدهم بمزيد من الأموال والوظائف، وفى حين أن «أمينة» لم تنضم إلى الحركة عمدا ولكن فقدانها لدخل زوجها بعد أن هاجر إلى الصومال بالإضافة إلى افتقارها للتعليم جعلها عرضة للخضوع لوعود العمل الزائفة.
وفى محاولتها للحصول على المال، تقول «أمينة» إنه ينبغى على الحكومة مساعدة النساء العائدات من الصومال ليقيمن أعمالا تجارية تساعدهن على المعيشة، وبالفعل تم عمل بعض المبادرات الحكومية من هذا النوع، نجد على سبيل المثال صندوق «يوزد» وهو يهدف إلى إمداد النساء والشباب بالمهارات وتزويدهم بالائتمانات والمساعدات المالية الضرورية لإقامة المشروعات الصغيرة، ولكن غالبا تجد النساء أن مثل هذه الخدمات لا يمكن الوصول إليها، أو الخوف من وصمة العار التى قد تلحق بهم، ومن ثم فإن مثل هذه المبادرات تذهب أدراج الرياح ولا يتم الاستفادة منها. ومنذ فرارها من الصومال تعرضت أمينة للنبذ والوصم من قبل مجتمعها بطرق متعددة، والسنوات التى قضتها فى الصومال كانت هى جزءا من السبب.
ووفقا لما ذكره مسئول حكومى فى حكومة نيروبى فإن كثيرا من المجتمعات تتجنب وترفض الاعتراف بالزوجات والأرامل وحتى الأطفال من الرجال المشتبه ضلوعهم فى أعمال إرهابية، ونفس الأمر ينطبق على النساء اللاتى تم تجنيدهن من قبل حركة الشباب.
الوصمة التى تواجهها «أمينة» تفاقمت بسبب تعرضها للاعتداء الجنسى الذى عانت منه كثيرا، وعلى الرغم من أن هؤلاء النساء مجبورات إلا أن المجتمع لا يرحمهن، وبالتالى يظهر هنا دور حركة الشباب فى تدمير التماسك المجتمعى. كما أن الصدمة النفسية التى عانت منها «أمينة» فى الفترة التى مرت عليها وهى محتجزة فى مخيمات حركة الشباب تفاقمت بسبب الرفض والنبذ التى تعانى منه منذ عودتها.
ويقترح الكاتب أنه لابد من وضع برامج شاملة لمساعدة مثل تلك الحالات وإعادة تأهيلهم، كما أن المبادرات يجب أن يكون لها دور فى تخفيف ذلك الشعور بالوصم والعار وإعادة بناء العلاقات فى المجتمعات المحلية.
والجهود الحكومية المبذولة لمواجهة ذلك غير كافية، نجد أن «أمينة» ليست على علم أو وعى بتلك البرامج التى من المفترض أنها وضعت لتساعدها هى وغيرها. وأكثر من المشاركة فى التطرف العنيف كجناة، فإن النساء يتم تجنيدهن بشكل غير مباشر كمتعاطفات أو مؤيدات أو غير ذلك. ومع ذلك فهى تتحمل نتائج هذا التطرف العنيف من خلال: فقدان المعيل، تفكك الأسر من خلال العنف الجنسى والبدنى والوصمة الاجتماعية والقلق والخوف والصدمة النفسية، وهنا تمثل «أمينة» هذا النموذج المثالى المرعب.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى