إن لم تحدث معجزة، فإن المنطقة العربية وأجزاء واسعة من العالم الإسلامى تتجه إلى ما هو أسوأ، بالتعبير العامى نحن العرب «رايحين فى داهية» إذا استمر سيرنا فى نفس الطريق.
قرار السعودية بقطع علاقتها مع إيران مساء السبت الماضى، كان متوقعا بالنظر إلى طبيعة العلاقات بين البلدين منذ سنوات طويلة.
حتى لو لم يتم إعدام باقر النمر فى السعودية يوم السبت، فإن أى حادثة أخرى فى المنطقة كانت ستؤدى إلى نفس النهاية.
إيران اتخذت قرارا استراتيجيا منذ سنوات طويلة باختراق المنطقة العربية ومحاولة السيطرة عليها خصوصا فى المشرق العربى لحسابات مصالحها القومية، لكنها تفعل ذلك تحت العباءة الطائفية. سيطرت على العراق فعليا بعد أن منحتها الولايات المتحدة هدية لا تقدر بثمن حينما غزت العراق عام ٢٠٠٣، ثم صارت لاعبا رئيسيا فى سوريا بعد تدخلها لحماية نظام بشار الأسد منذ عام ٢٠١١ وهى موجودة فى لبنان منذ سنوات طويلة عبر حزب الله الذى يعلى من انتمائه الشيعى أكثر من انتمائه اللبنانى أو العروبى للأسف الشديد.
لكن التطور الأبرز حينما ساندت إيران جماعة الحوثيين فى اليمن للانقلاب على الشرعية والسيطرة على مقاليد الحكم بالتعاون مع القوات المالية للرئيس السابق على عبدالله صالح فى سبتمبر ٢٠١٤.
وبعيدا عن رأينا فى هذة الحكومة او ذاك النظام فإن سكوت البلدان العربية على هذا الانقلاب كان يعنى ببساطة أن إيران صارت تطوق منطقة الخليج من ثلاث جهات وعبر هلال يمتد من لبنان ثم سوريا والعراق واليمن. السكوت على الانقلاب الحوثى فى اليمن، كان يعنى أن إيران صارت اللاعب الأبرز فى المنطقة العربية، وهو أمر لا يتحمله الأمن القومى المصرى أيضا حتى من منظوره الضيق وليس القومى سواء الذى كان موجودا فى الحكم ناصريا او ساداتيا او حتى اخوانيا.
وبالتالى فالحرب بين السعودية وإيران مشتعلة منذ سنوات طويلة، لكنها كانت تتم معظم الأحيان عبر وكلاء منذ اغتيال رفيق الحريرى فى بيروت عام ٢٠٠٥ وحتى هذه اللحظة عبر تحريك بعض الشخصيات والجمعيات الشيعية فى معظم بلدان الخليج خصوصا البحرين.
الطبيعى أن تكون العلاقات العربية ــ الإيرانية طيبة. والطبيعى أكثر أن هناك الكثير من المشتركات بين الطرفين من أول الجيرة والدين ونهاية بالتاريخ المشترك عبر العصور، لكن يبدو أننا جميعا عربا وإيرانيين صرنا لعبة فى يد قوى خارجية.
إعدام نمر النمر ــ سواء اتفقت معه او اختلفت ــ هومجرد القشة التى تقصم ظهر المنطقة، الاستقطاب موجود على أشده ليس فقط بين السعودية وإيران ولكن بين إيران وغالبية بلدان المنطقة، وللأسف الشديد فإن الاصطفاف هذه المرة على أساس الطائفة فقط، ويلعب الإعلام الأحمق والجاهل لدى الجانبين دورا كارثيا فى تعميق الصراع والفتنة.
بهذا السياق فإن المنطقة تسير إلى منحدر وهوة سحيقة لا يعلمها إلا الله. وفى اللحظة التى ستنفجر فيها الأوضاع بصورة أكبر ــ لا قدر الله ــ، فإن المنطقة ستفقد آلافا وربما ملايين الشباب فى حرب عبثية مجنونة لا منتصر فيها.
إيران تصر على الهيمنة على المنطقة، وتعتقد أن اتفاقها مع أمريكا والغرب بشأن البرنامج النووى يخول لها قيادة المنطقة. ويبدو أن الانسحاب الأمريكى من المنطقة أغرى طهران بهذا التصور او الحلم، والسعودية ومعها معظم الخليج تعتقد أن الولايات المتحدة تخلت عنها وتركتها لقمة سائغة لإيران، وهى التى عاشت معظم الوقت تحت الحماية الأمريكية.
والواقع العملى يقول إن الحرب الطائفية موجودة للأسف الشديد ليس فقط على المدونات وصفحات الفيس بوك وغرف الدردشة فى الفضاء الالكترونى لكن فى شوارع بغداد والأنبار والموصل، والرقة وحلب وأدلب والغوطة واللاذقية، وبعلبك والهرمل وبعض مدن الجنوب اللبنانى، وصنعاء وصعدة وعمران وتعز والحديدة ومأرب.
هل من معجزة توقف انحدارنا إلى هذا المستنقع اللعين؟!!.