المقاطعة و«الخيانة»
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 5 فبراير 2018 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
يحلو لعناصر جماعة الإخوان وأنصارهم ، وصف ما جرى فى 30 يونيو 2013 بالانقلاب، بعد أن أزاح خروج الملايين إلى الشوارع والميادين أول رئيس إخوانى عن الحكم، وهو وصف رفضه جل المصريين من حلف 30 يونيو العريض، قبل أن يخرج فريق من الحلف ذاته عن الركب يتم حاليا وصف دعوته إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية بـ«الانقلاب»، وتنهال على رموزه حملة شعواء تصل إلى حد استخدام السباب والشتائم التى يعاقب عليها القانون.
السؤال هنا: هل يحق لأصحاب دعوة مقاطعة الانتخابات وصف خصومهم رفقاء الأمس بـ«الانقلابيين»، بدعوى التراجع عن الشعارات العريضة التى جمعتهم فى 30 يونيو، وبشكل خاص ما يتعلق بقضايا الحريات والتضيق على العمل السياسى ومنظمات المجتمع المدنى، أم أن اطلاق وصف الانقلاب على الدستور من حق فريق دون الآخر؟.
بعض الذين يتخذون موقفا عدائيا ضد تيار «القوى المدنية الديمقراطية» الذى عبر ثمانية من احزابه عن موقف سياسى مغاير للسائد، كانوا بالأمس القريب يحسبون على التيار ذاته، بل وكانوا سواعد لبعض رموزه فى فترات، لكن يبدو أن المصالح قبل السياسة لها اليد الطولى، للأسف، فى العمل العام الذى بات شعاره «من ليس معى فهو ضدى»، ويحق عليه «السب والشتائم».
لا أحد يمارى فى فوز الرئيس عبدالفتاح السيسى بولاية ثانية، سواء قاطع البعض أو تحمس البعض الآخر للإنجازات التى حققها الرئيس فى ولايته الأولى، فهل نحن إذن فى حاجة إلى حملة الردح والشتائم التى تشوه صورة الانتخابات الرئاسية ذاتها؟، أخشى أن يتحول الخلاف السياسى المشروع بين مؤيدى الرئيس ومعارضيه، إلى تمزيق ما تبقى من جلباب السياسة المهلهل، وبما يصب فى نهر تراجع المشاركة فى العمل الوطنى، والعودة إلى المربع الأول الذى كان عليه الوضع قبل 25 يناير 2011، عندما ولى الناس ظهورهم للشأن السياسى، ليس زهدا، بل كرها، بكل ما يمثله الأمر من مخاطر.
المنافسة السياسية، وتعدد الرؤى والاجتهادات فى العمل العام، والانشغال بالهم الوطنى، ليس عيبا، واختلاف البعض مع السائد ليس جريمة تستدعى شن حملات الشجب والإدانة، والدعوة لمحاكمة المختلفين فى الرأى، واتهامهم بهدم أركان الدولة، بل ودمغهم بالخيانة. هناك بون شاسع بين المعارضة بأدوات العمل السياسى السلمى ودعاة العنف والإرهاب، ولا يجب أن نخلط الأوراق على هذا النحو الغريب، الذى نراه فى برامج «التوك شو» وأعمدة العديد من الصحف، من خلال حملة منظمة ستدمر فى طريقها ما تبقى من مقولة «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، وهو ما سندفع ثمنه جميعا.
السياسة من «ساس» وهى قيادة الناس وحكمهم، وهى وسيلة تفتح الباب على مصراعيه أمام الاجتهاد فى طريقة إدارة شئون البلاد والعباد، ولا يمكن لها أن تكون حكرا على رؤية واحدة، أوطريقة وحيدة فى العمل، ولهذا اخترعت الأمم المتمدينة الأحزاب، وسمحت للقوى الاجتماعية بتنظيم نفسها فى أطر وكيانات، تعبر من خلالها عن مصالحها المتباينة وبل والمتعارضة احيانا، وبما يتيح الفرصة لوصول أفضل البرامج والشخصيات التى تختارها الغالبية إلى سدة الحكم، من دون الجور على المختلفين فى الرأى ووصفهم بالتمرد والمروق، والخروج على النظام العام.
وليعلم الزملاء فى وسائل الإعلام على اختلافها، أنهم ينوبون عن المجتمع فى تنوير وتبصير الناس بما يدور فى حياتهم اليومية، وأنهم ليسوا أدوات، أو أبواقا للنيل من المؤيد مرة أو المعارض مرات، بل دورهم نقل ما يحدث بشفافيه ونزاهة، وهى أمانة تحتم، على الصحفيين والإعلاميين، لا نقول الحياد، ولكن الموضوعية على أقل تقدير، والاحتكام إلى مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية، التى اقسموا على العمل وفق بنودها، وليس الرقص على مزامير الأهواء الشخصية.