وزراء فى سوق التوابل
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 أبريل 2016 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
لكل حساباته النابعة من مصالحه، لا من سريرته. وهو أمر يسرى على الأفراد مثلما ينطبق على الدول. ومن تلك الحسابات أن تحذف قناة تلفزيونية ألمانية مادة فكاهية تمس الرئيس أردوغان. والمادة المحذوفة أغنية جاءت فى برنامج ساخر. وبين برلين وأنقرة ما صنع الحداد. وليس يعنينا ما صنع الحداد، بل ما ورد فى خبر يقول إن الأغنية قد ألغيت بعد بثها مساء الجمعة. ثم جاء خبر يشير إلى إعادة بثها. ماذا تفهمون، هل حذفوها من موقع القناة وأبقوها على الهواء؟
الهازلون والساخرون فى الإعلام الغربى بالآلاف. وهم ملح الطعام. ومن الوارد أن يكون بعضهم فاسدا وذا غرص. لكن نكهتهم تبقى لذيذة. وقد تابع المشاهد العربى برنامج المصرى باسم يوسف وراق له، عموما. لكم صاحب «البرنامج» جاء متأخرا بأكثر من ربع قرن. وقد سبقه كوميديون فى القاهرة نفسها وفى بغداد وبيروت والكويت والمغرب. ويبقى الفارق بين الساخر العربى والأجنبى أن الأول كان يقدر على الغير ولا يفتح فمه بعبارة عن سياسة بلده. فإذا فتحه أسكتوه.
اعتاد الرؤساء والوزراء فى الغرب، على السلق فى وسائل الإعلام. وعندما يستيقظ رئيس تحرير البرامج السياسية أو مدير الإذاعة الفلانية، فإنه يجمع محرريه، وهو يفرك عينيه من آثار النوم، ويطرح عليهم السؤال: على من الدور اليوم؟ إنه دور وزير العمل، مثلا، العاجز عن اختراع وظائف للخريجين الجدد ولملايين العاطلين المعتقين. فهل يستاهل صفعة على خد واحد أم على الخدين؟ إنها مجرد ملاطفة، فى حين أن عرقوب أفندى استخف بعقول أبناء الشعب طويلا ولم يحقق أيا من وعوده. لذلك فإن الصفع قليل فى حقه ومن المناسب مسح الأرض به.
تخصص صحفيون فى المسح والسلق والضرب على القفا وسفح ماء الوجه. وأكثر برامج التلفزيون شعبية هى تلك التى تسخر من السياسيين. لكن السخرية المجانية والشكلية قد تنال الضحكات فى حين أنها غير موجعة. والخد الذى تعود على تلقى الكفوف يصاب بالتنميل والخدر. إن ما يؤلم بالفعل هو إعادة بث مقاطع موثقة من وعود السيد عرقوب خلال مؤتمراته الصحفية السابقة أو حملته الانتخابية ثم مواجهته بالأرقام والوقائع التى تثبت فشله فى التزام كلمته.
ويحدث من كثرة التتبع والمشاكسة، أن تنعقد خيوط الصداقة بين السياسى وبين الساخر الذى تخصص فى استهدافه أو تقليده. وهى طامة كبرى حين يتبلد المسئول ولا يعود يكترث لرأى الناس فيه. وحدث مع تسلم الرئيس ميتران الحك، 1981، أن تدخلت أصابع خفية لإسكات الصحفى جان بيير الكباش وإبعاده عن التليفزيون، لأنه كان من مؤيدى المرشح الخصم جيسكار. وقيل إن زعيم الحزب الشيوعى جورج مارشيه طلب منه أن يقفل فمه. لكن الصحفى خرج من التليفزيون لينشر كتابه الشهير: «اخرس يا كباش» ويحصد منه ثورة. وكان ساركوزى أيضا سببا فى استبعاد من كان يسخر منه عبر ميكروفون الإذاعة. لكن عشرات الكوميديين تسلموا الراية، وما عاد الرئيس السابق قادرا على ملاحقتهم جميعا. وهناك صحفية اسمها هيلين ريسيه تكمن للسياسيين كالسكين فى الخاصرة من خلال برنامج اسمه «لنعرهم». وهى تجيد التوقف عند الأمور الصغيرة والنبش فيها. والمثل يقول إن «الشيطان يكمن فى التفاصيل». كما أنها تستنير بعبارة فيكتور هوجو «الشكل هو الباطن حين يطفو على السطح». وهو العلم الذى يسمونه، اليوم، قراءة لغة الجسد.
لمواجهة جيش الساخرين، صار السياسى لا يتحرك إلا وفق نصائح خبراء «الإيماج» وضباط «اللوك». وهو ينشطون من وراء الستار يدا بيد مع مديرى الحملات الانتخابية ويحترفون التسويق. بينهم من يتباهى بأنه يحترف التسويق السياسى ويبيع المرشح للناخبين بوسائل الدعاية ذاتها المتبعة فى الترويج لمساحيق الغسيل وأوعية الطبخ التى لا يلتصق بها الطعام. أى أنهم يطبقون خبراتهم فى بازار السياسة مثلما يجرى فى سوق التوابل. ومن هنا يلتقط الساخرون فلفل رزقهم. ما كان أسعد السياسيين قبل اختراع التليفزيون!
الشرق الأوسط ــ لندن
أنعام كجه جى