السياسة الخارجية للإخوان المسلمين
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الأحد 5 يونيو 2011 - 9:29 ص
بتوقيت القاهرة
بعد يوم واحد على تأسيس دولة إسرائيل واعتراف الولايات المتحدة الفورى بها، أرسل السيد حسن البنا، المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين، يوم 16 مايو 1948، خطابا للرئيس الأمريكى هارى ترومان يحمل تهديدا واضحا، وجاء فيه: إن «اعترافكم بالدولة الصهيونية إعلان حرب على العرب والعالم الإسلامى. وإن اتباعكم لهذه السياسة الخادعة الملتوية هو انتهاك لميثاق هيئة الأمم والحقوق الطبيعية للإنسان وحق تقرير المصير، وسيؤدى حتما إلى إثارة عداء دائم نحو الشعب الأمريكى، كما سيعرض مصالحه الاقتصادية للخطر ويؤدى بمكانته السياسية، فنحملكم المسئولية أمام العالم والتاريخ والشعب الأمريكى».
وبعد ذلك، شارك الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين وكان لهم وجود ودور كبير، وفتحت الجماعة معسكرات لتدريب المقاتلين، ودعت شبابها لحمل السلاح والجهاد فى فلسطين.
ثم دخلت الجماعة بعد ذلك فى مرحلة طويلة من العداء مع نظم الحكم التى أفرزتها ثورة يوليو، ونتج عن هذا العداء تباعد كبير عن قضايا السياسة الخارجية، إلا أن هذا العداء انتهى، على الأقل رسميا، بسقوط نظام الرئيس حسنى مبارك يوم 11 فبراير الماضى.
وكانت سياسات النظام السابق تجاه جماعة الإخوان المسلمين كفيلة بتقليص اهتمام قادة الجماعة ليقتصر على الشأن الداخلى المصرى بالدرجة الأولى. وكانت الضربات الأمنية المتلاحقة ــ بما فيها من إلقاء القبض وسجن قادة الجماعة لفترات طويلة، إضافة إلى منع سفرهم لخارج مصر، ومنع أى احتكاك حقيقى بالعالم الخارجى ــ كفيلة بتقليص معرفة وفهم قادة الجماعة لطبيعة الشئون الدولية وقضاياها المعقدة.
كما مثَّل الاعتبار الأمنى حاجزا منيعا ضد دخول أعضاء من الجماعة، أو حتى من المتعاطفين معها، إلى الجهات الحكومية المنوط بها التعامل مع تلك القضايا مثل وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والأجهزة الاستخباراتية المختلفة خلال عهد الرئيس السابق.
وبعد نجاح ثورة 25 يناير، لا يوجد ما يبرر استمرار تلك الإجراءات الاستبعادية الظالمة التى كانت تحول دون حصول شباب الجماعة على فرص عمل فى تلك المؤسسات. إلا أن الأمر قد يستغرق سنوات طويلة كى يتم تغيير ثقافة هذه الأجهزة الرسمية، وثقافة العاملين فيها، كى تستوعب وتعكس بعض ما تؤمن به الجماعة.
إلا أن كل ما سبق ذكره لم يمنع بعض قادة الجماعة من إطلاق تصريحات تعبر عن مواقف الجماعة تجاه قضايا خارجية عديدة.
وتعد قضية الاعتراف بإسرائيل نموذجا لغياب موقف واضح للجماعة، فقد ذكر السيد مهدى عاكف المرشد العام السابق للجماعة أن «إسرائيل فى نظر الجماعة مجرد كيان صهيونى مغتصب لأراضينا العربية والإسلامية المقدسة، قام على الجماجم والدماء، وسنعمل على إزالته مهما طال الزمن»، وأن هذه المسألة «ثابت من ثوابت الجماعة وليست محل جدل أو نقاش».
ثم جاء المرشد الحالى للجماعة، الدكتور محمد بديع ليؤكد ما قاله المرشد السابق فى عدة مناسبات. إلا أنه وبعد نجاح ثورة 25 يناير، تغير الخطاب الإخوانى تجاه إسرائيل، وأعلن المرشد العام أنه لا تراجع عن معاهدة كامب ديفيد، وإن كان من الممكن تعديل بعض البنود. وهذا الموقف فى حد ذاته يعد اعترافا إخوانيا كافيا بدولة إسرائيل.
كذلك يواجه الإخوان معضلة العلاقات مع أمريكا! تلك الدولة الأهم والأقوى فى عالم اليوم، وهى الدولة التى تقدم مساعدات كثيرة لإسرائيل وتساندها فى كل المحافل الدولية، إلا أنها فى الوقت نفسه تقدم مساعدات عسكرية للجيش المصرى تقدر بـ 1.3 مليار دولار سنويا، ومئات الملايين من المساعدات الاقتصادية، إضافة لتعاون كبير وقديم بين الأجهزة الاستخباراتية فى الدولتين، فى مجال مكافحة الإرهاب الدولى ومكافحة الحركات الإسلامية الراديكالية حول العالم.
كما ترى أدبيات الجماعة أن انفصال جنوب السودان، وموافقة الجنوبيين على حق تقرير المصير بعد استفتاء 11 يناير الماضى، على أنه جزء من مؤامرة دولية تستهدف المنطقة العربية كلها.
أما معضلة موقف جماعة الإخوان المسلمين من «العنف»، فهى معضلة لم تحسم بصورة كاملة بعد، ففى الوقت الذى تلتزم فيه الجماعة بالحرص على نبذ العنف، منذ سبعينيات القرن الماضى، كوسيلة سياسية شرعية، إلا أنها تمانع فى القيام بأعمال «مقاومة مسلحة» فى حالة فلسطين والعراق وأفغانستان... وهو موقف يتناقض مع موقف الدولة المصرية الرسمى!
خلال السنوات القليلة الماضية لم يتوقع أكثر قادة الجماعة تفاؤلا المشاركة فى حكم مصر. ولم تبلور الجماعة ما يمكن أن نطلق عليه إستراتيجية سياسة خارجية واقعية تقوم على خدمة مصالح الدولة المصرية. وأكد قادة الجماعة مرارا أنهم لا يؤيدون الدخول فى حوارات مع المؤسسات الرسمية فى دول الغرب إلا تحت مظلة وزارة الخارجية المصرية.
ومما لا شك فيه أن الحكومة المصرية الجديدة، ستضم حتما عددا كبيرا من وزراء ينتمون لجماعة الإخوان، وهو ما سوف يؤثر حتما على السياسة الخارجية للدولة المصرية.
على جماعة الإخوان المسلمين، التى تعد أكبر الحركات الإسلامية والأكثر تنظيما فى العالم، أن تستعد لتقديم إجابات عن عدة أسئلة تهم بصورة كبيرة العالم الخارجى، إلا أنها فى الوقت نفسه، تهم وبصورة أكبر، جموع الشعب المصرى فى هذه المرحلة الحاسمة فى تاريخه.
هل نتوقع أن تستمر العلاقة الخاصة المصرية الأمريكية، والتعاون الاستخباراتى بين الدولتين إذا سيطر الإخوان المسلمون على الحكومة المقبلة؟ وهل ستعترف الجماعة بإسرائيل؟ وهل تؤيد توفير دعم مادى لجماعة حماس وحزب الله؟. وماذا عن موقف الجماعة من دولة جنوب السودان الجديدة، والتى ستستخرج لها شهادة ميلاد من الأمم المتحدة يوم 11 يولية القادم؟ وهل ستقبل الجماعة أن تستمر مصر فى الحصول على مساعدات وقروض من البنك وصندوق النقد الدوليين؟
وما هو رأى الجماعة الرسمى فى اتهام البعض لهم، داخل مصر وخارجها، بالسعى لإقامة خلافة إسلامية، كهدف أسمى لعملهم السياسى.