إشكالية بناء المعرفة فى أرض العرب
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 5 يونيو 2014 - 8:05 ص
بتوقيت القاهرة
هناك الكثير من المؤلَّفات والمقالات التى تؤكّد أن قوّة ومكانة الأمم ستعتمد فى المستقبل المنظور على مقدار ما تولده من معرفة تمكّنها من امتلاك التكنولوجيا من جهة ومن الابتكار والتجديد فى شتّى حقول الإنتاج والخدمات والنُّظم من جهة أخرى.
امتلاك التكنولوجيا، من خلال القدرة على الاختراع والتحّسين والصّيانة، تتمُ عادة بواسطة مؤسسات تخلقها الدولة وتصرف بسخاء لإنجاحها من مثل مؤسسة الصناعات الحربية الوطنية، وذلك حتى لا تعتمد فى أمنها القومى على قوى الخارج واملاءاتها وابتزازها، أو من مثل مؤسسة الفضاء لإرسال أقمار صناعية فضائية غير خاضعة لقوى خارجية.
أما امتلاك معرفة الابتكار والتجديد فإنه موضوع بالغ التعقيد يحتاج إلى تعليم جامعى رفيع المستوى لتخريج المبدعين والباحثين المتمّيزين، ويحتاج إلى مراكز أبحاث فى داخل الجامعات وفى خارجها، ويحتاج إلى ربط محكم بين نتائج الأبحاث وبين عجلة الاقتصاد، وذلك من أجل القدرة على المنافسة فى الأسواق الوطنية والعالمية.
وفى الثلاثين سنة الماضية نجحت العديد من الدول، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، على معرفة امتلاك التكنولوجيا وبدأت تستقل عن الخارج فى حقول التكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا الفضاء وبعض تكنولوجيا الطاقة. وهى فى طريقها إلى امتلاك معرفة الابتكار والتجديد لتصبح قوى اقتصادية يحسب لها فى الأسواق الدولية. تلك أمثلة لدول تنتمى إلى العالم الثالث الذى ننتمى نحن العرب إليه.
<<<
هنا نصل إلى ما نريد قوله عن واقع عربى مفجع بالنسبة لنوعى المعرفة. فكل دول الوطن العربى، منفردة أو مجتمعة، لا تملك معرفة ذاتية قادرة على اختراع وامتلاك وصيانة وتحسين تكنولوجيا العصر. وهذا ما يجعلها معتمدة فى أمنها الوطنى والقومى اعتمادا كليا على معاهدات أمنية تكبل استقلالها الوطنى وعلى شراء أسلحة تباع لها بألف شرط وشرط ويحدُّ من فاعلية تلك الأسلحة ومن حرية توقيت استعمالاتها.
والأمر نفسه ينطبق على حقل تكنولوجيا الطاقة. فبالرغم من أن الوطن العربى يسبح على بحار من البترول وعلى أكوام من الغاز، وهما أساس الطاقة فى العصر الذى نعيش، إلا أننا، وبعد مرور حوالى ثمانين سنة على اكتشاف البترول فى جزء من الأرض العربية، لم ننجح فى امتلاك تكنولوجية الطاقة ومازلنا نعتمد اعتمادا شبه كلى على الشركات الأجنبية، علما واختراعا وتطويرا. هل من فضيحة أكبر من هذه؟
وللإنصاف فقد جرت محاولتان فى مصر، إبان العهد الناصرى، وفى العراق قبل الغزو الأمريكى، لبناء معرفة تكنولوجية فى الحقل العسكرى على الأخص، ولكن انتهت التجربتان قبل أن تتجذَر فى تربة البلدين.
أما موضوع بناء وامتلاك معرفة الابتكار والتجديد فإنه أكثر مأساوية وفشلا. فمتطلبات بنائه من تعليم جامعى إبداعى يخرج قوى عاملة قادرة على الإبداع وعلى إجراء البحوث الجادة لم توفرها الدَولة العربية الحديثة حتى فى دول الغنى النفطى. ولعل موجة الهجمة الهائلة للجامعات الخاصة، الوطنية والخارجية، هى خير دليل على ذلك الفشل.
ومن جهة أخرى امتنعت الدولة العربية عن دعم البحوث فى الجامعات والتى هى ضرورية لأية جامعة تحترم نفسها، لا دعم الأساتذة والطلبة الباحثين ولا تمويل مراكز البحوث الجادة سواء فى داخل الجامعات أو خارجها واكتفت بمراكز بحوث أغلبها يجتُر معرفة الآخرين أو يلمّع صورة الأنظمة السياسية وبالتالى فإن نتاجها لن يضيف إلى القدرة الاقتصادية ذرة إضافية واحدة.
<<<
فى وطن عربى سمحت حكوماته بوجود نسبة أمية تصل إلى ثلاثين فى المائة على مستوى الوطن الكبير كلُه، وتتحدث الكثير من التقارير الدولية والمقالات التربوية عن تراجعات مقلقة فى مستوى ونوعية التعليم فى جميع مراحله، وتقبع نسبة البحوث المنشورة من قبل جامعاته ومراكزه البحثية فى الحدود الأدنى من النسب العالمية.... فى وطن كهذا هل يمكن الحديث عن نوعى المعرفة اللّتين تحدثنا عنهما سابقا؟
لا يمكن على الإطلاق الأمل بحل إشكاليتى المعرفة، بنوعيها، إلا أذا جرت تغييرات كبرى فى نوع وتنظيم سلطات الدولة العربية. وهذا مربط الفرس ونقطة الانطلاق.