صحيفة البيان ــ الإمارات المعادلة الدولية على خطوط نظام متصدع
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 يوليه 2022 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة البيان الإمارتية مقالا للكاتب السيد ولد أباه بتاريخ 4 يوليو عرض فيه ما ترتب على الحرب العالمية الثانية من تصدع النظام الدولى والدعوة إلى خلق نظام عالمى جديد قائم على المصالح المشتركة.. نعرض منه ما يلى.
ينبهنا مساعد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق «فليب زيلكو» إلى أن النظام الدولى المتولد عن الحرب العالمية الثانية قد انتهى بالكامل، وما نعيشه راهنا هو نتائج هذا الانهيار الذى خلّف ما أطلق عليه فى عنوان مقاله «نظاما أجوف».
وبالنسبة لزيلكو لم تبدأ أزمة النظام الدولى مع الحرب الأوكرانية الراهنة، بل مع أزمة النظام الاقتصادى والمالى فى سبعينيات القرن الماضى التى ضربت المنظومتين الرأسمالية والاشتراكية، ثم أزمة منظومة التسلح والردع التى شلّت الحلفين الدوليين المتصارعين. لقد اعتبر الغرب أنه انتصر فى حربه مع المعسكر الشيوعى الشرقى بقيادة الاتحاد السوفييتى الذى تفكك بالفعل، فلم يدرك أن ما حدث هو ضرورة تغيير قواعد اللعبة الدولية بكاملها بدلا من استغلال الفراغ الذى خلّفه انهيار الكتلة الاشتراكية المنافسة.
وبالنسبة لزيلكو ظهر من الواضح أن كل السياسات التى اتبعها الغرب بعد نهاية الحرب الباردة كانت مرتجلةً وطائشةً، والدليل هو العجز عن حل المعضلات الكبرى التى مرَّ بها العالَمُ فى السنوات الأخيرة، وبصفة خاصة الأزمات المالية والأمنية والمناخية والصحية. الخلاصة التى يصل إليها زيلكو هى ضرورة إبداع نظام عالمى جديد على أساس المصالح الكونية المشتركة، وليس القيم أو المبادئ كما يكرر زعماء الغرب فى هذه الأيام فى دفاعهم عن «الديمقراطية الليبرالية» ضد «الاستبداد والظلم»!
تستوقفنا مقالة زيلكو فى جوانب ثلاثة محورية، تستدعى التوضيح والتعليق، أولها: الوصف المعيارى للحظة الدولية السابقة التى اصطلح على تسميتها بالحرب الأيديولوجية أو الحرب الباردة أو الصراع القطبى الثنائى.. فما يجمع بين هذه المقولات هو حصر القوى الفاعلة عالميا فى الدول المنتصرة خلال الحرب العالمية الثانية، وحصر الصراع القائم فى ثنائية أيديولوجية غربية (الرأسمالية الليبرالية والاشتراكية).
إن المشكل الذى طرحه هذا التصنيف برز بعد تحلل الاتحاد السوفييتى، وتوسع المشروع الأوروبى والحلف الأطلسى إلى المجال الأوروبى الشرقى، باعتبار أن التركيبة العالمية التى انبثقت عن هذه التحولات الكبرى لم تعد تنطبق عليها معاييرُ وأدواتُ المعادلة الدولية السابقة. وهكذا أصبح العقل الاستراتيجى الغربى عاجزا عن ضبط وإدارة الأزمات والديناميكيات الدولية الجديدة.
ثانيها: لقد تعاملت الرؤية الاستراتيجية الغربية مع روسيا من منظورين قاصرين، إما باعتبارها فى وضع انتقالى يفضى بها ضرورةً إلى النموذج الليبرالى الديمقراطى، ومن هنا تأجيل دمجها فى نادى الحلفاء المقرّبين إلى حد استكمال مسارها الانتقالى، أو النظر إليها كقوة معادية من خارج المنظومة، يتم التعامل معها فى إطار استراتيجية الردع الاستباقى للصعود الآسيوى الذى هو أفقها الاستراتيجى بعد فشل طموحها فى الاندماج الأوروبى.
وفى الحالتين، تغيب الرؤية الواقعية فى التعامل مع روسيا بصفتها قوةً دوليةً لها مجالها الحيوى وتطلعاتها الجيوسياسية الخاصة التى يتوقّف عليها السلم العالمى.
ثالثا: إن خطاب العالمية الكونية الذى هو المرجعية النظرية والقيمية للكتلة الغربية المتحكمة فى النظام الدولى لا يستقيم مع فكرة الصراع الأيديولوجى المتجدد بين الليبرالية الديمقراطية و«الاستبدادية الشعبوية» وفق عبارات زعماء الغرب من أمثال بايدن وماكرون وجونسون. فمع انقشاع وهم الرهان على تمديد النموذج الليبرالى الديمقراطى إلى الصين وروسيا، يصبح من الجلى أن مقتضيات السلم الدولى والشراكة التضامنية بين الأمم لا يمكن أن تتم إلا فى إطار اختلافى يحترم خصوصية وتميز القوى الكبرى والصاعدة التى لا تنتمى تاريخيا ولا حضاريا للعالَم الغربى.
لقد حذَّر مؤخرا وزير الخارجية الروسى «سيرغى لافروف» من أن ستارا حديديا جديدا بدأ يقوم بين الغرب وروسيا، بعد ثلاثين عاما على انهيار جدار برلين الشهير. وما لم يقله لافروف هو أن روسيا تبذل الآن جهودا كبرى لاستعادة مواقعها الجيوسياسية السابقة فى معادلة الصراع الدولى المتجدد، لمواجهة الستار الحديدى المفروض عليها.
وفى هذه المواجهة، لا يمكن لروسيا بطبيعة الحال أن تستند للخطاب الأيديولوجى السائد خلال الحرب الباردة، لكنها تستفيد بوضوح من ثغرات ونقاط قصور سردية العالمية الكونية التى ترفعها القوى الغربية المنافسة. لا تواجه روسيا خصمَها من منطلقات فكرية أو أيديولوجية ولا تدعى التبشير بنموذج بديل عن الديمقراطية الليبرالية، لكنها تطمح إلى أن تقود خط التمرد والاحتجاج من داخل النظام الدولى المتصدع.