شعار لترسيخ تجزئة الأمة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 5 يوليه 2023 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
عبر عشرات السنين الماضية أُلِّف وانتشر شعار، يبدو مضحكا ولكنه خبيث، من «أن العرب اتفقوا على أن لا يتفقوا» وبالطبع قصدت الدوائر الاستعمارية من خلال تبنيه ترسيخ الإيمان بهذا الشعار فى نفوس وعقول الأجيال العربية المتعاقبة كجزء ثقافى سياسى من مشروعها التجزيئى السياسى الكبير للوطن العربى ولكل مكوناته وأنشطته.
ولكن هل حقا أن وحدة هذه الأمة الحقيقية الفاعلة قد أصبحت حلما أثناء منامها التاريخى الحضارى الحالى الطويل؟ من تجارب ومشاهد عرفتها طيلة مسيرتى السياسية أستطيع القول بأن تلك المقولة ليست أكثر من أكذوبة طفولية بهلوانية.
فى مؤسسات نشاطات قومية مختلفة كالمؤتمر القومى العربى والمؤتمر القومى الإسلامى ومؤتمر الأحزاب العربية والمجلس العربى للاختصاصات الصحية ومجالس وزراء الصحة العرب ووزارة التربية والتعليم ومؤسسات الجامعة العربية التنموية أو ذات الوزارات على مستوى الخليج العربى وفى اتحاد جمعيات الهلال والصليب الأحمر العربية على سبيل المثال لا الحصر، كانت الأهداف وحدوية أو على الأقل تنسيقية تضامنية وكانت المناقشات جادة ومتجهة لتغيير الواقع العربى وليس التعايش معه، وكان التنظيم ديمقراطيا يساوى بين الدول الصغيرة والكبيرة فى التصويت لاتخاذ القرارات. كانت هناك بالطبع وجهات نظر متباينة ولكنها كانت أخوية لا حذلقة فيها ولا تآمر من قبل مجموعات صغيرة.
ولهذا كان يحسب لوزن الكتلة العربية صاحبة المواقف الموحدة فى مؤسسات مثل منظمة الصحة العالمية أو اليونسكو ويحسب ألف حساب للناشطين من أعضائها حتى ولو جاءوا من دول عربية صغيرة.
الشعور العربى الوحدوى نفسه هو الذى تحدى وتخطى الحدود عندما قامت أحزاب وتكتلات وحدوية كان أعضاؤها ينتمون إلى كل الأقطار العربية، من مثل تكتلات أو أحزاب البعث العربى أو الناصرى والقوميين العرب، بالرغم من كل أخطائها فى الواقع.
كانت هناك محاولات التوحيد فى كل مكان وعلى كل مستوى، فاتحادات الكتاب العرب، والجامعات العربية، والمحامين العرب، والغرف التجارية العربية وغيرها كانت هى الأخرى تصدح بألحان الوحدة والتنسيق والتعاضد أو الاحتجاج ضد الاستعمار والصهيونية بصوت واحد.
كان حلم الوحدة هو الوعى اليقظ النشط وشيطان التجزئة هو النائم فى الفراش. قاد كل ذلك أحيانا إلى وحدة انتهت أو وحدة تشوهت وتخلى عنها الناس لا لأن حلم الوحدة ليس صحيحا ومنقذا ونبيلا وسبيلا إلى نهوض الأمة وإنما لأن البعض ممن جلسوا على عرش حركات الوحدة ليقودوها إما تصرفوا ببلادة أو تعاملوا مع المقدس بنجاسة واستزلام، وكانوا شعبويين أكثر من كونهم أنبياء نضال أو أمثلة تحتذى. وكان أسوأ ما قبلته تلك الحركات النبيلة دخول البلادات العسكرية فى السياسة وفهلوياتها فى الفكر والثقافة السياسية وإصرارها على جعل الشعوب كتلا خرساء تتفرج وتصفق بدلا من أن تشارك بجدارة فى اتخاذ القرارات المصيرية، بما فيها تفعيل ذلك الشعار النبيل.
وهكذا انتهت مشاعر الوحدة العربية لتصبح نكتة سمجة للاستهزاء بهذه الأمة، كما يرددها الببغاويون وهم يضحكون ببلادة وطفولة رعناء.
إذا كنا نريد إنقاذ هذه الأمة من استحواذ الاستعمار والصهيونية وأذنابهم على مقدراتها فلنفتح باب مناقشة وتفعيل موضوع الوحدة على مصراعيه، ذلك أنه شعار إنقاذ وليس موضوع نكتة استهزائية فى حفلة تحشيش.
وأخيرا، إذا كان لابد من أن نضحك فلنستمع إلى ما تزار به غالبية أنظمة الكم العربية كلما أحرق الكيان الصهيونى مدينة فلسطينية أو أزهق روح شاب فلسطينى محارب أو كلما أحرق أحدهم قرآن أمة الإسلام من ترديد ممل مضحك لمقولة «نحن نحتج بشدة» فوصف هذه الأمة بأنها أمة حكومات الاحتجاج الكلامى النظرى الإعلامى البعيد عن كل فعل هو الذى يليق بأن يكون نكتة الزمن الردىء الذى تعيشه هذه الأمة.