الخروج من منطقة الراحة

آخر تحديث: السبت 5 يوليه 2025 - 6:59 م بتوقيت القاهرة

من الجوانب البديهية والمعروفة والمسلَّم بصحتها، أن من اجتهد وجدّ وثابر، فإن النجاح حليفه، وهذه حقيقة وليست كلمات تقال للتشجيع وحسب، بل التجارب البشرية طوال التاريخ أثبتتها، فضلا عن أن ترسيخ العلوم التربوية والنفسية وغيرها يحتاج لمن يشتغل على تطوير نفسه، ويستثمر وقته وجهده، فالعلم والمعرفة والتدريب، وتنمية مواهبه وقدراته، ويتحمل مشقّة التعليم والتدريب والتجريب والعمل وزيادة الخبرة، ليحصد التميز وينال التفوق ويكسب النجاح.
الغريب أنه مع وضوح هذه الحقيقة، وبديهيتها، فإن كثيرا من الناس يرتكبون أخطاء متعددة فى مسيرة التطوير والتعلم والتدريب، فلا دورات تدريبية، ولا يقرأون، ولا يطوّرون أنفسهم، ولا يتحركون، يؤثرون الراحة الآنيّة المؤقتة على البناء والاشتغال على النفس. فى دراسة علمية نشرتها مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعى، فى عام 2002 م تحت عنوان: استنفاد الأنا: هل الذات النشطة مورد محدود؟ جاء فيها «أن الإنسان يمتلك مخزونا محدودا من الإرادة، وأن قرارات اليوم وتشتّت الانتباه والضغوط المستمرة تستهلك هذا المخزون، مما يجعله يميل للراحة السريعة، ويؤجل القرارات الصعبة مثل التعلم أو التدريب».
الجانب الثانى، الجدير بالملاحظة والتنبّه، أننا فى عصر تنامى وتزايد التقنيات الحديثة، ومعها حدث نمو غير مسبوق فى مجالات الترفيه، ودخلت تطبيقات كثيرة تُقدم محتوى سريعا ومسلّيا وجاذبا، ومن هنا تزايد التوجّه نحوها بحجة تخفيف التوتر أو الابتعاد عن الضغوطات، ولكنها كانت تعطى متعة مؤقتة وأصبح التعامل معها سلوكا مستمرا وسائدا، واستهلاك هذا الوقت فى الترفيه، بلا هدف، ودون غاية، سبّب هدرا لوقت ثمين من العمر، كان من الممكن خلال هذا الوقت تحقيق مهارة وإتقانها أو صناعة تميز ونجاح.
عندما نتعب ونصبر على التعلّم والتدريب، فإن هذا التعب وهذا الوقت لا يذهب سُدى، بل يعود بالفائدة والفرص العديدة، منها الثقة بالنفس، وتطور القدرات الذاتية. وهو ما يبين أن تطوير الإنسان لنفسه والتركيز على اكتساب المعارف والخبرات، الطريق الأهم نحو النجاح والتفوق. فى هذا العصر المحمّل بالتقنيات الحديثة، ليست المشكلة فى قلة المعرفة، ولا فى طرق النجاح من الدورات والورش التدريبية، بل فى الالتزام والإرادة، وفى القدرة على الخروج من منطقة الراحة.

شيماء المرزوقى
صحيفة الخليج الإماراتية