رسالة غيور على العربية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 5 أغسطس 2016 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
قرأت بكل سعادة «كعادتى دائما» ما تفضلت به العزيزة حدة حزام، حول آخر خرجات وزيرة التربية التى شرعت ونفذت خلال فترة وجيزة ما عجز عنه البرلمان الكسيح خلال سنوات، وأقصد اتخاذها منفردة لقرار تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية فى التعليم الثانوى، بحجة لا طعم لها ولا رائحة كما يقال، ولغيره من الشطحات التى تمس الجانب الحضارى للشعب كتحييد مادتى التاريخ والجغرافيا وما تلاهما.
وأنا هنا وحول قضية اللغة حصرا، أود أن أهمس فى أذن العزيزة حدة وآذان قرائها الكرام بأننى وغيرى من مئات المئات الذين تلقوا تعليمهم الجامعى «العلمى» فى مدرجات ومختبرات البلد الشقيق سوريا باللغة العربية وحدها ولم نكن نتلقى بالإنجليزية سوى ما يسمى بالإنجليزية للمهندسين أو الإنجليزية للأطباء، أو خلافه كمواد موازية لتقوية الناحية اللغوية البحتة والتى لا علاقة لها بالمادة العلمية التخصصية. وكانت مراجعنا كطلبة بالعربية وحدها ملحقة دائما وبشكل مدروس بجداول مخصصة للمصطلحات والمصادر باللغة الإنجليزية فقط لا غير، أما ما تبقى من الاجتهادات فيعود كالعادة إلى رغبة الطالب وحاجته.
وأنا فى مكتبتى الشخصية اليوم كمهندس، العشرات من تلك المراجع العربية وبغيرها، كما لدى أصدقائى ولدى كل الإطارات الجزائرية تلاميذ تلك المدرسة الناجحة.
ولم نكن فى يوم من الأيام نعانى فى حياتنا العملية عقدة اللغات الأجنبية، سواء فى بلادنا أو فى بلاد الآخرين، كما يتم تضخيمها هذه الأيام بسبب أو بدون سبب وتشهد لنا الساحة العملية أينما كنا ومنذ زمن بعيد، بأننا وبكل تواضع من أنجح الإطارات كفاءة وعطاء وتشريفا لوطننا لا لسبب سوى لأننا تلقينا العلم بلغتنا الأم، كما تؤكد على ذلك كل النظريات.
أرجو أن تعلمى ذلك أيتها الأخت الكريمة ويعلم قراؤك الأوفياء وكذلك شعبنا الطيب الذى تحاول ومن جديد هذه الأيام الآلة الفرنكوفيلية المارقة تشكيكه فى هذه العربية الراقية والرائعة، وتدفع حكامه المرضى والمعقدين، تلاميذ العهدة الرابعة البائسة بشكل خاص، من جديد إلى دفعه نحو المزيد من الانبطاح الثقافى والأخلاقى من خلال تكريس تلك «الفرنسية العاهة» فى مدارسنا بشتى الحجج، بعد أن فضح العالم أجمع ادعاءاتها كلغة للحياة وللمستقبل. وأنا من خلال هذه الأسطر السريعة أدعو النخبة المستنيرة فى وطننا المناضل دائما إلى تأدية واجبها والوقوف ضد عودة الفرنسية إلى ساحاتنا وإلى ملاعب مدارس أبنائنا لتفادى المزيد من التفرقة والإحباط والتشظى. بل وربما دفع بعض تلاميذنا للخروج إلى الشوارع ورفع اللافتات التى تطالب برمى التاريخ فى المزبلة، كما فعل ذات يوم تلاميذ مدرسة ديكارت «المصانة».
نحن مع الترحيب بالإنجليزية إذا لزم التعديل أو الإصلاح كلغة للعلم وللحياة. وللحياد كذلك كعنصر يدعم حضورنا الدولى فى هذا العالم الذى يجتمع يوما بعد آخر على الغايات الإنسانية والنبيلة. أهلا بالإنجليزية كلغة للمواد العلمية فى تعليمنا الثانوى مترادفة مع العربية الجميلة فى بقية المواد، بعد أن تكون قد حصنت «كما فى كل الدول» الأجيال فى الجوانب الحضارية الأساسية التى تمنح الشخصية معناها ومكانتها وقوتها بين الأمم.
بقى فقط أن أقول لك أيتها العزيزة حدة ولقراء هذا المنبر المتألق بأنه لا يجب أن ينسينا الحديث عن هذا الأمر «المستفز» كما دائما أمازيغيتنا الحبيبة وأن ندعم كوطنيين محافظتها السامية حتى تخرج وبأقصى سرعة إلى الساحة الجزائرية زاهية إلى جانب العربية واثقتين. وألا نترك قضية تحديثها وبعثها بين أيادٍ فرنسا وخبرائها الذين لا يزالون كعادتهم يغتنمون كل فرصة لدفع الصراعات إلى وطننا الذى أذلهم ذات يوم.
لك أيتها العزيزة حدة ولقرائك كل الود والدعاء بدوام التوفيق.