عمران خان.. المهمة الصعبة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 5 أغسطس 2018 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
قبل ما يزيد قليلا على عقدين، حين أعلن عمران خان، لاعب الكريكيت الباكستانى الشهير، أنه سيخوض غمار السياسة كى يخلص بلاده من الفساد المتفشى، سخر الناس منه ولم يحصل إلا على القليل من الدعم السياسى. وعلى الرغم من أنه كان فى عيون الشباب الباكستانى أيقونة وبطلا استطاع أن يحصد الجوائز للبلد المسلم، لكن «خان» وحزبه المعروف باسمة «حركة العدل» فشلا فى تحقيق أى انتصار ملموس فى السياسة الباكستانية فى انتخابات متعاقبة.
وعلى الرغم من الهزائم الثقيلة المتوالية، ظل «خان» مصرا على تحقيق هدفه كما فعل أيام كان لاعبا. ومثابرته آتَتْ أُكُلَها أخيرا بخروجه منتصرا فى الانتخابات الباكستانية العامة هذا العام، وهو أمر جدير بالملاحظة مع الانتقال السلمى من حكومة مدنية إلى حكومة مدنية أخرى. فقد استطاع «الكابتن»، كما يطلق على عمران خان، أن ينقل حزبه «حركة العدل» من الهامش السياسى إلى قلب المعترك السياسى ويحقق نتائج جيدة على امتداد البلاد على الرغم من مزاعم خصومه السياسيين بشأن تدخل الجيش فى العملية الانتخابية.
وانتصار خان يعنى أن باكستان أصبح بها الآن قوة سياسية ثالثة يحسب لها حساب إلى جانب الحزبين الراسخين، وهما «حزب الرابطة الإسلامية الباكستانى» و«حزب الشعب الباكستانى» اللذان سيطرا على السياسة الباكستانية وأصبحا يشكلان الحكومات المدنية بالتبادل. وعلى الرغم من أن حزب خان ينقصه عدد صغير من المقاعد ليحظى بالأغلبية فى البرلمان لكن من المتوقع أن يحصل على دعم من الفائزين المستقلين ليشكل الحكومة التالية فى باكستان.
وجرت الانتخابات فى أجواء خيم عليها اعتقال رئيس الوزراء السابق نواز شريف وابنته بناء على اتهامات بالفساد، لكن من الواضح أن هذه الانتخابات لها تأثير سيستمر على السياسة الباكستانية. وصحيح أن خان لم يبعد تماما قبضة الحزبين الرئيسيين عن الحياة السياسية فى باكستان لكن انتصاره يمثل بالتأكيد درسا فى المثابرة لأنه لم يتخل قط عن طموحه فى الوصول إلى مكانة رفيعة فى بلاده. وجاء خان إلى السلطة ببعض الدعم من الجيش الباكستانى الذى يتمتع بنفوذ كبير فى باكستان ويعتبر مؤسسة السلطة الفعلية فى البلاد. ودأب الجيش الذى يسيطر على مجالات مثل السياسة الخارجية على احتواء الحكومات المدنية فى باكستان.
والنضج الذى تجلى فى الناخبين الباكستانيين من أبرز نتائج هذه الانتخابات. فالهزيمة المزرية للمتطرفين الإسلاميين المتعصبين والأحزاب الإسلامية المتطرفة وفشلها فى الحصول على مقعد واحد فقط فى البرلمان توضح بجلاء أن التطرف الدينى يرفضه الشعب الباكستانى تماما وتوضح السأم من العنف والتطرف فى باكستان. ومما لا شك فيه أن خان استأثر بخيال الجمهور الباكستانى المتعطش للتغيير. فبعد 22 عاما من النبذ فى عالم السياسية، لمست دعوته إلى مكافحة الفساد الذى حام حول الحكومات المدنية السابقة ووعوده ببناء باكستان جديدة وترا حساسا لدى الناخبين الباكستانيين.
وبعد أن اتضح فوز حزب خان بمعظم المقاعد، أظهر لاعب الكريكيت المخضرم السابق نُضجا سياسيا فى كلمة أذاعها التليفزيون تناول فيها باقتضاب قائمة أولوياته تجاه العلاقات مع الدول المجاورة وإصلاحاته الاقتصادية الداخلية وتصوره عن بناء باكستان جديدة. وفيما يتعلق بالعلاقات مع الهند وعد خان أنه إذا تقدمت الهند خطوة واحدة على طريق تحسين العلاقات، فإن باكستان تحت قيادته ستتقدم على الطريق خطوتين مؤكدا على الحاجة إلى تدشين عملية سلام وعلاقات تجارية بين البلدين. أما فيما يتعلق بالصين، وهى حليف باكستان فى السراء والضراء، فقد أشاد خان بـ«مشروع الممر الاقتصادى الباكستانى الصينى» وأشار إلى فرص الاستثمارات بمليارات الدولارات فى باكستان.
أما فيما يتعلق بأفغانستان وهى بلد يشترك مع باكستان فى روابط اجتماعية وتاريخية لكنه فى الآونة الأخيرة اتهم جارته بأنها تُؤوى جماعات إرهابية، مد «خان» يده بالمصافحة لإصلاح العلاقات داعيا إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات لفحص القضايا. ووصف العلاقات مع الولايات المتحدة بأنها «من جانب واحد»، وأنه حتى الآن تعتقد واشنطن أنها تقدم المساعدة لباكستان كى يخوض البلد المسلم الحرب نيابة عن الولايات المتحدة لكنه يفضل علاقة متوازنة يستفيد منها الجانبان. وأقر «خان» بالدعم الذى قدمته المملكة العربية السعودية لباكستان وأكد أن المملكة صديق وقف إلى جانب باكستان فى أوقات الشدة. وركزت خطبة عمران خان بعد فوزه فى الأساس على الاقتصاد المتدهور للبلاد والفقر. ووعد بإقرار نظام ضريبى شفاف وتعهد بأن يرفع ملايين الباكستانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
لكن الحقيقة تظل هى أن أمام «خان» مهمة شاقة. فاقتصاد باكستان يشهد حالة ركود ويتعين على الحكومة المقبلة أن تخاطب صندوق النقد الدولى للحصول على قروض إنقاذ. وشهد الاقتصاد ثلاث عمليات لخفض قيمة العملة منذ ديسمبر وليس لدى البلاد أى احتياطى من العملة الأجنبية. والجميع يراقبون كى يروا السياسات الاقتصادية التى سيتبعها «خان» لإنقاذ الاقتصاد بعد أن يشكل حكومة. وتوقعات الناخبين من «خان» مرتفعة، لكن مازال السؤال الأساسى يتعلق بإذا ما كان سيستطيع تحقيق كل وعوده أم أن المؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ ستواصل إملاءاتها خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الهند وأفغانستان.
الاتحاد ــ الإمارات
ذكر الرحمن