مؤسسات الدولة التى لم تسمع عن ثورة يناير.. حالة المجلس الأعلى للجامعات
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الإثنين 5 سبتمبر 2011 - 9:26 ص
بتوقيت القاهرة
ذكر كاتب هذه السطور من قبل فى توصيفه لثورة يناير أنها ثورة لم تكتمل، ولا شك أن هذا الحكم على ثورة يناير لا يقتضى عبقرية خاصة لإقراره، فواقع البلاد شاهد على أن أحوالها بعيدة عن أن تكون انعكاسا للأهداف النبيلة لهذه الثورة، وعندما نبحث فى أسباب عدم اكتمال الثورة، نجد من الواضح أن بعضها يكمن فى أن مؤسسات مهمة فى الدولة لا يبدو أنها سمعت عن الثورة، أو هى سمعت عنها، ولكنها لا تأخذها على محمل الجد. إحدى هذه المؤسسات هى بكل تأكيد الأجهزة المسئولة عن صنع السياسة الخارجية لهذا البلد، والتى يبدو أنها أصيبت إما بالشلل، أو بفقدان القدرة على النطق. تنهد الأحوال فى الوطن العربى، فى سوريا واليمن والبحرين، ولا نكاد نسمع لها صوتا، ولا نرى لها فعلا، ويطاح بنظام القذافى، الذى هو شر البلية، وهو على حدود مصر، وتكون الحكومة المصرية هى آخر من يتخذ موقفا مما يجرى فى البلد الشقيق، ثم تقتل القوات الإسرائيلية خمسا من شهدائنا البواسل، وتجتمع حكومتنا، ويتمخض اجتماعها عن بيان لا يوحى بأى فعل، وتكاد تقتصر جهود وزير الخارجية على تلبية دعوات تذهب به إلى عواصم خلابة، دون أن يخرج منه بيان يشفى غليل الذين يتوقعون سماع علامات فكر جديد فى هذه المؤسسة العريقة، ويتملك المرء الأسى بالمقابل وهو يتلقى نبأ طرد الحكومة التركية سفير إسرائيل ووقفها الاتفاقيات العسكرية معها بسبب عدم اعتذار إسرائيل عن هجومها على سفينة أسطول الحرية التركية التى كانت تحمل مساعدات إنسانية لغزة المحاصرة، وقتلها تسعا من أنصار السلام الأتراك فى المياه الدولية فى البحر المتوسط. وهناك تفسيرات كثيرة لهذه الفجوة الواسعة التى تفصل أداء مؤسسات الدولة المصرية عن روح الثورة، ولكن من بينها أن الذين يديرون هذه المؤسسات هم موظفون لم يتعودوا اتخاذ اى قرار هام، ومع غياب «مباركهم»، فقد أصبحوا فى حيرة لا يعرفون كيف يتصرفون فى غياب «تعليمات سيادة الرئيس». وآخر المؤسسات التى انضمت بجدارة إلى هذه الفئة التى لم تقدر جيدا أن ثورة قد حدثت فى مصر هى المجلس الأعلى للجامعات الذى اجتمع قبل العيد، وأمامه إحصائية تشير إلى أن أغلبية ساحقة تصل إلى 84% من أعضاء هيئات التدريس الجامعية يؤيدون البديل الثانى فى اختيار القيادات الجامعية التى يتطلعون إلى تغييرها، وهو بديل يقوم على الانتخاب المباشر، وأن يشرف على هذا الانتخاب لجان منتخبة. فما كان منه إلا أن يلتف على هذا الاختيار الواضح، ويدخل عليه تعديلات تجعل الإشراف على الانتخابات، وخصوصا انتخاب رؤساء الجامعات هو بيد نفس القيادات القائمة التى يتطلع أغلبية الجامعيين إلى تغييرها.
لماذا تصرف المجلس الأعلى للجامعات على هذا النحو؟ الإجابة بسيطة. رؤساء الجامعات أعضاء هذا المجلس، والذين عينهم الرئيس المخلوع قد ورثوا عنه افتقاد الصلة بالواقع. ألم تكن الصورة الأولى التى خرجت للرئيس المخلوع بعد بداية الثورة هى له فى غرفة عمليات القوات المسلحة، يشرف غالبا على أماكن تركز الدبابات فى مواجهة الثوار. الثورة بالنسبة له هى تمرد مجموعة من العصاة يقتضى استخدام القوات المسلحة للقضاء عليهم بعد أن فشلت فى ذلك قوات الشرطة، ولحسن حظ مصر كان إدراك قادة القوات المسلحة فى هذا الموقف أكثر سلامة وأقرب إلى الواقع. وبنفس هذا الإدراك الزائف تصور رؤساء الجامعات أن هذه الأغلبية الساحقة من أساتذة الجامعات سوف يستسلمون لما يراه رؤساؤهم، ويقبلون التغاضى المهين عن إرادتهم، لمجرد أن تلك هى مشيئة من قدر لهم أن يتولوا أمورهم فى غفلة من الزمن. ومع رد الفعل الغاضب من تجمعات أساتذة الجامعات، وفى مقدمتها مجموعة استقلال الجامعة المعروفة بحركة 9 مارس، والذى يشمل الاستعداد للتصعيد بما فى ذلك الإضراب العام، يبدو أن وزير التعليم العالى قد تراجع عن قرارات المجلس الأعلى للجامعات.
لماذا استقلال الجامعات؟ ولماذا انتخاب القيادات الجامعية؟
ولا شك أن أساتذة الجامعات مطالبون بتوضيح أسباب إصرارهم على استقلال المؤسسات الجامعية، ومطالبتهم أن يكون تولى مناصبها القيادية بالانتخاب، وبضرورة عزل رؤساء الجامعات الذين تولوا مناصبهم فى عهد الرئيس المخلوع. ليس المقصود باستقلال الجامعات أن تتحول إلى منابر حزبية، ولكن المقصود به أن تتحرر من الضغوط السياسية والإدارية والمالية والاجتماعية والفكرية التى تحول بينها وأن تؤدى وظائفها الأساسية فى نشر الفكر العلمى المتقدم وتوظيفه لخدمة المجتمع. هذا الاستقلال مطلوب فى مواجهة سلطات الدولة والأحزاب وأصحاب الثروة والمؤسسات الدينية والإعلامية، وهذا هو الدرس الذى عرفته المجتمعات المتقدمة، والتى أدركت أن استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمى ومواقفها النقدية مما يجرى فى المجتمع هى الشروط الضرورية لتغلب المجتمع على ما يواجهه من أزمات.
وهناك أساليب عديدة لتحقيق هذا الاستقلال وليس انتخاب القيادات الجامعية هو الأسلوب الوحيد. تلجأ الجامعات البريطانية والأمريكية إلى اختيار هذه القيادات من خلال الإعلان والتسابق المفتوح وبالتشاور مع أعضاء هيئات التدريس المعنيين، وتلجأ الجامعات الفرنسية والإسبانية والإيطالية إلى انتخاب القيادات وبمشاركة الطلبة. وقد كان تولى منصب العميد يتم بالانتخاب فى كليات الجامعات المصرية حتى سنة 1994، وتوحى معرفتى المتواضعة بأن أسلوب الانتخاب وضع على رأس الكليات التى أعرفها ومنها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بأفضل الأساتذة. ومع الفساد الذى أشاعه النظام السابق فى كافة أرجاء المجتمع لا يمكن استبعاد المحسوبية والضغوط السياسية والمالية فى حالة اللجوء لأسلوب الإعلان والتسابق المفتوح. وإذا كان البعض يشك فى أن أساتذة الجامعات لن يستخدموا حقهم فى انتخاب قادتهم بحكمة، وهم الأعلى تعلما فى المجتمع، فلن يكون هناك، بنفس المنطق، أى سبب لإتاحة حق الانتخاب لجميع المواطنين فى اختيار أعضاء السلطة التشريعية ورئيس الدولة، والمشاركون فى الانتخابات هم فى أغلبيتهم أقل تعلما من أساتذة الجامعات.
أما عن الإصرار على عزل كل رؤساء الجامعات الذين عينهم الرئيس المخلوع، فهذه ضرورة لأنهم جميعا شاركوا فى ممارسات فاسدة لتمجيد كبار المسئولين فى النظام السابق، وشاركوا أو سكتوا عن تزوير انتخابات اتحاد الطلاب، وكانوا خير عون لأجهزة الأمن فى الدعوة لبطلان انتخابات حرة ونزيهة لمجالس إدارات نوادى هيئات التدريس الجامعية. وقد طرح على رؤساء الجامعات هؤلاء مخرج يحفظ ماء وجوههم بتقديم استقالاتهم، ولكن بعضهم ما زال يتشبث بالبقاء فى مناصبه، وهم بذلك يضربون أسوأ الأمثلة فى الوقوف أمام الإرادة الواضحة لأغلبية مرءوسيهم الذين يطالبونهم بالرحيل، وذلك فضلا على أن المرحلة الجديدة التى بدأت فى مصر بثورة يناير، حتى، إن لم تكتمل الثورة، يقتضى منهم أن يتركوا مقاعدهم لمن يختاره أعضاء هيئات التدريس فى جامعاتهم لقيادتها فى هذه المرحلة.
ليتهم يتعظون بما فعله رئيس جامعة القاهرة ونوابه الذين آثروا الاستقالة رغم أنهم حققوا لجامعة القاهرة مكانة علمية بارزة بدخولها تصنيف جامعة شنغهاى لأفضل خمسمائة جامعة فى العالم، ولكنهم أدركوا أن جامعتهم تحتاج قيادات جديدة لم تنغمس فى ممارسات النظام السابق.