التضحية بأكراد سوريا
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 5 سبتمبر 2016 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
هل كانت معركة تحرير منبج من تنظيم «داعش» هى الفخ الذى وقعت فيه التنظيمات الكردية المقاتلة فى سوريا، والذى دفع القوى التى كان صعبا أن تأتلف على شىء فى مواقفها من الأزمة السورية، إلى الائتلاف ضد الأكراد؟
منبج فتحت الطريق إلى معركة جرابلس. ومثلما كانت معركة منبج كردية بامتياز، بغطاء أمريكى، وبقوات كردية فى معظمها، من «سوريا الديمقراطية»، كانت معركة جرابلس معركة عربية بامتياز، وبغطاء أمريكى أيضا، وبقوات من المعارضة السورية، فى مقدمها «الجيش السورى الحر»، الذى حظى علنا هذه المرة بدعم تركى، وعلى لسان رجب طيب أردوغان نفسه. حصل هذا كله بعدما رفعت الولايات المتحدة الغطاء عن حزب «الاتحاد الديمقراطى» و«وحدات حماية الشعب»، ودفعتهما إلى الانسحاب إلى ما وراء شرق نهر الفرات، فى تجاوب كامل مع الرغبات والمخاوف التركية من الكيان الكردى على حدودها الجنوبية، الذى تخشى أنقرة أن يكون صالحا لنقل العدوى إلى ما وراء الحدود.
ليست المرة الأولى التى يطلع فيها الأكراد «من المولد من دون حمّص»، كما يقول المثل العربى، الذى لابد أن له ترجمة كردية. كانوا فى طليعة من حارب «داعش»، بدءا من كوبانى، التى يفضل العرب أن يسمّوها «عين العرب». كان ذلك فى وقت كان «داعش» من فبركة النظام السورى وإنتاجه، ولم يكن كثر مهتمين باقتلاعه من المواقع التى كان يتحصّن فيها ولا يزال، وفى مقدمها بالطبع «العاصمتان»، الرقة والموصل. كانت إدارة أوباما تعتبر الأكراد الحصن المنيع فى وجه هذا التنظيم، وكان يمكن أن يُسمح لهم بالاستمرار فى القيام بهذه الوظيفة المفيدة للجميع، لولا شعور دول الإقليم ومعها كلّ من الولايات المتحدة وروسيا، بأن الزرع الكردى فى الشمال السورى لابد أن ينتهى إلى موسم حصاد، على صورة حكم ذاتى فى أبسط الأحوال، أو استقلال كامل، فى أكثر الأحوال مبالغة. وهذا ما أيقظ أردوغان، الذى لم تقلقه من قبل معركة كوبانى، ولا أقلقته مواجهات الحسكة بين الأكراد والجيش السورى والتقدم الكردى فى تلك المنطقة، غير أنه بعد انتصار الأكراد على «داعش» فى منبج وتقدّمهم فى اتجاه جرابلس، وجد أردوغان نفسه مضطرا إلى الدخول مباشرة فى المعركة مع التنظيم الإرهابى، فقد اعتبر أن هذه المواجهة هى الثمن الذى لابد من دفعه لتحجيم الأحلام الكردية داخل سوريا، وبالتبعية داخل تركيا كذلك.
من كان يتوقع أنه فى غفلة عن الأكراد، يمكن أن يأتلف كلّ من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا ونظام الأسد، وسط صمت عربى، بحجة مواجهة «داعش»، كأن الأكراد هم الذين كانوا يعيقون هذه المعركة، مع أن الإشادات كانت تنهال عليهم فى السابق لأنهم حرروا مدنا من التنظيم وعملوا على إعادة أهلها إليها، بل إنهم فى معارك سنجار التى وقع فيها الإيزيديون، أطفالا ونساء ورجالا، ضحايا التنظيم الإرهابى، كانوا هم الذين فتحوا بيوتهم لمن تمكنوا من النجاة من تلك الجرائم والأهوال.
فتح الأكراد طريق المصالحة بين أنقرة وموسكو، كما سهّلوا قبول رجب طيب أردوغان بإقامة لبشار الأسد، قد تطول أو تقصر، فى قصر المهاجرين. وفتحوا طريق التفاهم الروسى ــ الأمريكى على تسوية فى سوريا، ستكون على حساب أحلامهم، كيفما حصلت. وهذا كلّه لأن إعادة رسم الخرائط فى المنطقة قد تشمل تفكيكا لمكوناتها الداخلية، وكيانات ذاتية على قواعد طائفية أو مذهبية، لكن من المستبعد أن يتيح هذا التفكيك احتمال كيان كردى على أية صورة. فهذا البعبع ما زال يخيف دول الإقليم. وباستثناء الظروف الخاصة للتجربة الكردية فى شمال العراق، يصعب تصوّر ما يماثلها فى الظروف الحاضرة، فى كل من سوريا وإيران، ولا بالتأكيد فى تركيا. على هذه النقطة يلتقى الجميع على التضحية بالأكراد، بل والتآمر عليهم إذا اقتضى الأمر.