تهديدات ترامب للديمقراطية الأمريكية
مواقع عالمية
آخر تحديث:
السبت 5 سبتمبر 2020 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع The New Yorker مقالا للكاتب John Cassidy... نعرض منه ما يلى.
فى ديسمبر 2016، نشر ستيفن ليفيتسكى ودانييل زيبلات، وهما عالمان سياسة فى جامعة هارفارد، مقال رأى فى صحيفة التايمز طرحا فيه هذا السؤال «هل دونالد ترامب يشكل تهديدا للديمقراطية؟» وذلك استنادا إلى مجموعة من معايير القادة المناهضين للديمقراطية والتى وضعها خوان خوسيه لينز، الخبير الإسبانى المتخصص فى الأنظمة الشمولية، وقرر العالمان بناء على هذه المعايير أن نتائج ترامب «إيجابية».
فى مقالهم فى التايمز، وبشكل مطول فى كتابهم «كيف تموت الديمقراطيات» والذى نشر عام 2018، أوضح ليفيتسكى وزيبلات أن ترامب كان لديه ميول استبدادية، وأكدا أيضا حقيقة أنه تولى الرئاسة خلال فترة استقطاب سياسى حاد، وذلك عندما كان متطرفون يمينيون يشككون فى شرعية خصومهم السياسيين، وكتبا، «يجب أن نكون يقظين، علامات التحذير حقيقية».
إن الأمور واضحة جدا، فخلال عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضى، هتف مجموعة من مؤيدى ترامب باسمه واشتبكوا مع مجموعة من متظاهرى جماعة «حياة السود مهمة» Black Lives Matters فى بورتلاند، أوريجون، فى هذه الاشتباكات، قُتل شخص واحد ــ آرون (جاى) دانيلسون، من أنصار جماعة باتريوت بريار Patriot Prayer اليمينية المتطرفة ــ بالرصاص، لم يكتف ترامب بتأجيج النيران فى بورتلاند، بل أعاد نشر تغريدة كانت تدعم كايل ريتنهاوس، المراهق البالغ من العمر سبعة عشرة عاما من إلينوى الذى أطلق النار على ثلاثة متظاهرين فى كينوشا بولاية ويسكونسن قبل أسبوعين تقريبا، مما أسفر عن مقتل اثنين منهم، بعد ذلك، فى مؤتمر صحفى، دافع ترامب عن ريتنهاوس، قائلا إنه تصرف دفاع عن النفس.
يقول كاتب مقالنا جون كاسيدى إنه عندما اتصل بليفيتسكى لسؤاله عن التصعيد الأخير فى خطاب ترامب قال له: «أجده مرعبا بصراحة»، فاللغة التى اعتمدها الرئيس خلال الأيام القليلة الماضية تتوافق تماما مع حملته لعام 2016، كما أن البيئة السياسية، بعد شهور من الاحتجاجات ضد عنصرية الشرطة ووحشيتها، أصبحت أكثر تعصبا، وأضاف ليفيتسكى: «هناك الآن احتمالية حدوث أعمال عنف كبيرة فى جميع أنحاء البلاد، مع وقوع عدد كبير من القتلى»، منوها: «ترامب إما غير مدرك لهذا أو أنه لا يهتم، وتشجيعه على العنف لأغراض سياسية يشبه بشكل كبير ما فعلته الحركة الفاشية فى أوروبا خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى».
لكن ليفيتسكى ليس الخبير الوحيد الذى يرى بعض أوجه التشابه المرعبة بين أوروبا ما بين الحربين العالميتين وما يحدث فى الولايات المتحدة اليوم؛ حيث قالت روث بن غيات، مؤرخة فى جامعة نيويورك، ومؤلفة كتاب سيصدر قريبا عن القادة الاستبداديين، قالت إن الديكتاتور الفاشى الإيطالى، قبل وصوله إلى السلطة، فى 1922، استغل الاشتباكات العنيفة بين مجموعات من أنصاره المسلحين، المعروفين باسم القمصان السوداء Black shirts، وخصومهم اليساريين، وقالت أيضا: «لقد استخدم العنف لزعزعة استقرار إيطاليا، حتى يتمكن من إظهار نفسه كشخص يوقف هذا العنف»، وأضافت أن هذا ما يفعله ترامب الآن.
إلا أن هناك بعض المفارقات بين الحالتين، فبعد أن عين الملك فيكتور إيمانويل الثالث موسولينى رئيسا لوزراء إيطاليا، سرعان ما حصل موسولينى على سلطات دكتاتورية وسيطر على الدولة، وحول أصحاب القمصان السوداء إلى ميليشيا رسمية مقبولة من الدولة، إلا أن ترامب عندما تمت مراجعته ومراقبته دستوريا من قبل المحاكم أو المؤسسات، تراجع بشكل كبير، على سبيل المثال، خلال الاحتجاجات المطالبة بالعدالة العرقية فى واشنطن هذا العام، قاوم رؤساء البنتاجون دعوات ترامب لإرسال قوات فيدرالية لفض هذه الاحتجاجات.
وبخصوص احتمالية خسارة الانتخابات المقبلة، عمد ترامب إلى إثارة الفزع بتحريضه على العنف. وقال ليفيتسكى عن تحريضات ترامب: «من الواضح أن احتضان الميليشيات والقوات شبه العسكرية هو سلوك سلطوى»، «تراه فى الهند، فى التسعينيات والألفينيات. تراه فى الجنوب الأمريكى، أثناء إعادة الإعمار وفى عهد جيم كرو. ما يفعله ترامب هو قنبلة موقوتة. كان لدينا ثلاث وفيات قبل أسبوعين. لا ينبغى أن نشاهد ارتفاع عدد الوفيات بسبب الاختلاف السياسى فى ديمقراطية ناضجة مثل الولايات المتحدة».
إحدى هذه الوفيات، فى بورتلاند، كانت نتيجة إطلاق متظاهر يسارى النار على أحد مؤيدى ترامب فى صدره. حُدد المشتبه به وهو مايكل رينوهل، وهو رجل توضح منشوراته على الإنترنت أنه من مؤيدى حركة «حياة السود مهمة» والحركة اليسارية «أنتيفا» Antifa. وعما يمكن فعله لوقف الانحدار نحو المزيد من إراقة الدماء، أجاب ليفيتسكى وبن غيات: «من الضرورى أن يقوم السياسيون من كلا الحزبين بإدانة العنف مع دعوتهم إلى الهدوء».
هذا ما فعله جو بايدن، والذى قال فى خطاب ألقاه فى بيتسبرج: «سأكون واضحا جدا بشأن كل هذا، الشغب ليس احتجاجا، النهب ليس احتجاجا، إشعال الحرائق ليس احتجاجا، لا شىء من هذا احتجاج. بل إنه خروج على القانون. وأولئك الذين يفعلون ذلك يجب أن يحاكموا. العنف لن يحدث التغيير». بعد وقت قصير من حديث بايدن، دافع ترامب عن ريتنهاوس ووصف جماعة بورتلاند بأنها احتجاج سلمى. قال ليفيتسكى: «يجب على الشخصيات الأكثر نفوذا فى الحركة المحافظة ــ مثل الإعلاميين على قناة فوكس نيوز وزعماء الحزب الجمهورى ــ أن يخرجوا وينبذوا هذا العنف». وأضاف: «إذا لم يفعلوا ذلك، فنحن فى ورطة كبيرة»، وكررت بن غيات دعوة ليفيتسكى للقادة السياسيين للنأى بأنفسهم عن تحريضات ترامب.
ختاما، إذا لم يصد قادة البلاد تحريضات ترامب، فقد يأخذ العنف منحدرا خطرا للغاية، مما يزيد من احتمال حدوث رد فعل سلطوى. وهذا ما حدث فى الديمقراطيات الفاشلة. يقول ليفيتسكى: «الطريقة الوحيدة لتجنب العنف، وربما الأزمة الدستورية، هى أن تتحرك القيادة السياسية لتهدئة الأمور». وترامب يفعل عكس ذلك.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا