عام على الحرب.. مكاسب وخسائر فلسطين وحماس
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 5 أكتوبر 2024 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
بعد أن تناولت فى مقالة الأسبوع الماضى مكاسب وخسائر إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، أتناول فى هذا المقال المكاسب والخسائر الخاصة بحركة المقاومة الإسلامية، حماس، ومعها القضية الفلسطينية. قد يكون من المنطق أن نقول إن مكاسب إسرائيل هى نفسها خسائر حماس، والعكس يكون صحيحًا، لكن هذا المنطق ليس صحيحًا تمامًا، حيث إن إسرائيل دولة معترف بها دوليًا، بغض النظر عن رغبة بعضنا أو معظمنا فى عدم الاعتراف بها، فى مقابل أن حركة حماس هى حركة غير معترف بها دوليًا، بل يتعامل معها عدد كبير من الدول الغربية والعربية على أنها منظمة إرهابية أو فى أفضل الأحوال ميليشيا عسكرية، وهو الأمر نفسه الذى ينطبق على حزب الله وزعيمه حسن نصر الله.
بعبارة أخرى، فبينما كانت المكاسب والخسائر التى تناولتها فى مقالة الأسبوع الماضى تتعلق بإسرائيل كدولة (حكومة وشعب ومؤسسات)، فإن المكاسب والخسائر التى أتحدث عنها هنا تتعلق بحركة حماس وبالقضية الفلسطينية ككل، ليس فقط لأن فلسطين ما زالت محتلة ولم تحصل بعد على حقوقها فى إنشاء دولة مستقلة كما تنص القرارات الأممية، لكن لأن حركة حماس لا تمثل كل الشعب الفلسطينى فى الداخل والخارج، لكنها تتصرف كما يقول اسمها وميثاق تأسيسها كحركة مقاومة «إسلامية»، ورغم أن هذا البعد الديني/الأيديولوجى فى خطابها وميثاق تأسيسها قد تغير كثيرًا عام ٢٠١٧، فإنه ومنذ السابع من أكتوبر فقد عادت الحركة إلى قواعدها الأولى. لذلك فإن بعض المكاسب أو الخسائر التى سأذكرها فى السطور التالية تنسحب بعضها على الحركة، وبعضها على القضية، بعضها على كليهما!
• • •
المكسب الأول يتعلق بالحركة وبالقضية معا، وهذا المكسب هو أنه وبسبب هجمات السابع من أكتوبر، فقد عادت القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى الواجهة العالمية، بعد أن كانت قد نُسيت وأصبحت غير حاضرة على طاولة المفاوضات أو على الأجندات السياسية للفعاليات الدولية المختلفة بعد أن بدا أن خطاب نتنياهو رابحا، ذلك الخطاب الذى يروج لمنطق الاستسلام للأمر الواقع وتوازن القوى الذى يميل للكفة الإسرائيلية، وبناءً عليه يدعو الأطراف الإقليمية والدولية إلى التطبيع مع إسرائيل فى مقابل ترتيبات أمنية واقتصادية بعيدًا عن أى حسابات سياسية خاصة بالقضية الفلسطينية.
وقد رأينا كيف أن هذا الخطاب كان بالفعل الأساس الذى شجع بعض الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل دون حساب للقضية الفلسطينية، فبعد أن كان المبدأ العربى فى التعامل مع إسرائيل هو «الأرض مقابل السلام» فقد أصبح «السلام بلا مقابل»، وهى المعادلة التى تم تدميرها على يد حركة حماس يوم السابع من أكتوبر الماضى.
ليس هذا بكل تأكيد بالمكسب الهين، فقد عاد الحديث عن «حل الدولتين» فى الخطاب السياسى للولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وغيرهم من الفاعلين الدوليين المؤثرين، وأصبح ذلك يمثل ضغطًا واضحًا على الساسة الإسرائيليين الذين ظهر عليهم التوتر الشديد، وخرجوا عن الأعراف الدبلوماسية بسبب هذه الضغوط.
كان أحد مكاسب السابع من أكتوبر أيضًا هو كشف وتعرية حكومة إسرائيل اليمينية وسياستها العنصرية أمام الرأى العام العالمى، لم ينعكس هذا بالضرورة كمكسب للحركة التى يظل الرأى العام العالمى لا سيما الأوروبى لا يقبل ما فعلته فى السابع من أكتوبر، لكن ظهور إسرائيل كدولة استعمارية تحاول طرد الشعب الفلسطينى من أرضه تصفيته، ولا تعبأ فى ذلك بأى قانون أو معيار أخلاقى قد تأكد أمام العالم أجمع وخاصة من الأجيال الأصغر سنًا، وقد رأيت بعينى كيف أن العديد من أنصار إسرائيل فى الولايات المتحدة يعبرون بحسرة عن أن أهم خسائر الدولة العبرية خلال العام الماضى هى تشوه صورتها أمام الأجيال الأصغر من الغربيين الذين لم يفوتوا الفرصة، وحاولوا بكل الطرق تسجيل الانتهاكات الإسرائيلية أمام العالم، وأدعى أنهم نجحوا فى ذلك بامتياز.
• • •
لكن وفى مقابل هذه المكاسب الكبيرة للقضية الفلسطينية، كانت هناك خسائر فادحة، ولعل أبرزها استشهاد أكثر من أربعين ألفًا من الفلسطينيين فى غزة ومعظمهم من المدنيين والأطفال والنساء وكبار السن! هذه الخسائر البشرية الكبيرة لا يجب أبدًا أن تسكتنا عن مساءلة إسرائيل ومطاردة حكومتها اليمينية أمام العالم والقضاء الدولى، لكن فى الوقت نفسه، فلا يمكن أبدًا القبول بالحصانة التى يحاول البعض أن يضفيها على حركة حماس لعدم مساءلتها سياسيًا! فالحركة ليست مجرد جماعة مقاومة للمستعمر، لكنها أيضًا كانت حكومة بقضاء وشرطة ومؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية تحكم القطاع لنحو عقدين من الزمان، وبالتالى فعدم قيامها بتوفير ملاجئ للمدنيين والمدنيات، وقد علمت قطعًا أن السابع من أكتوبر سيجر الدمار إلى القطاع، هو أمر لا يجب أن يمر دون محاسبة!
لم يتوقف الأمر فقط عند الخسائر البشرية، لكن خسائر البنية التحتية كانت قاسية أيضًا، فوفقًا لأحد التقارير الدولية، فإن ما بين ٦٠ و٧٠٪ من المنازل قد تهدمت بشكل كامل مع تشرد نحو مليونى ونصف فلسطينى وفلسطينية، وتدمير معظم المدارس، والمستشفيات، والمساجد، والكنائس. وفقًا لهذا التقرير فإن غزة قد تحتاج ما بين ١٥ وعشرين عامًا حتى تشهد عملية إعادة إعمار كاملة، كما أن اقتصادها المدمر سيحتاج إلى نحو أربعة عقود حتى يعود إلى الوضع الذى كان عليه فى السادس من أكتوبر العام الماضى! نعم تتحمل إسرائيل المسئولية الجنائية كاملة عن هذه الأوضاع، لكن تبقى حماس هى المسئولة سياسيًا عن هذه الأوضاع أيضا، ومحاولة الإيحاء أن ما تقوم به حماس مدعوم شعبيًا من كل الغزاوية هو أمر عليه الكثير من علامات الاستفهام وتعوزه الدقة.
كذلك فقد كان أحد أهم خسائر الحركة بالإضافة إلى خسارة العديد من القادة السياسيين والعسكريين، والمعدات والأسلحة، هو خسارة فرصة تمثيل الشعب الفلسطينى مستقبلًا أمام أى محفل دولى لوضع حل سياسى للقضية الفلسطينية.
نعم الواقعية السياسية الخالية من شعارات دغدغة المشاعر تقول إن الحرب لن تستمر بلا نهاية، وسيكون فى يوم ما هناك تسوية سياسية، هكذا كانت كل الحروب بلا استثناء، ووقتها لن تجد الحركة لنفسها مكانا فى أى تفاوض مستقبلى على الترتيبات النهائية لوضع الشعب الفلسطينى. قد يقول البعض، بأن هذه ليست خسارة لأن الحركة نفسها ترفض مبدأ التفاوض مع إسرائيل، كما ترفض شرعية وجود الأخيرة من الأصل، وقد يكون هذا صحيحا بالفعل نظريًا، أما عمليًا، فكل توازنات القوة القائمة بالإضافة إلى قناعات الدول الأكثر حضورًا على الساحة العالمية فضلًا عن المنظمات الدولية تعترف بوجود إسرائيل، وشاءت حماس أو أبت سيكون هناك ترتيب دولى مستقبلى لحل القضية الفلسطينية، وستظل حماس خارج هذه المعادلات السياسية، ذلك أن السلاح الذى لا يستند إلى حسابات سياسية سيظل سلاحًا طائشًا قد يصيب العدو والصديق بلا تفرقة، وهكذا كان سلاح معظم الحركات المسلحة المستندة إلى أيديولوجية إسلامية، كان سلاحًا طائشًا تعوزه الحسابات السياسية، ولهذا حديث مستقبلى!
أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر