دليل الثرى لعدم استفزاز العامة
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 5 ديسمبر 2021 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
يسكنون بيوتا متشابهة ومتقاربة وإذا لم تتوفر فى تلك المدينة يرحلون إلى الأطراف ويبنون منتجعات خاصة بهم، بأسوار عالية وبوابات فخمة وحرس يقف عازلا بينهم وبين كل الآخرين أينما كانوا.. وإذا كثروا وزحف بعضهم حتى لو كانوا من نفس الفصيل أو الطبقة أو الطائفة الجديدة والتى هى بمجملها تعتمد على الأصفار بعد الأرقام فى حسابات بنوكهم أو بنوك سويسرا أو حتى بعض البلدان الأخرى التى تخصصت فى أن تكون «ملاذا» آمنا لمثلهم.. إما للهرب من الضرائب أو للهرب من الأعين أو بعيدا عن أية رقابة كانت وليس خوفا من الحسد طبعا.
•••
ليست بيوتهم التى تتشابه فقط أو ربما تتنافس فيما بينها، بل وأيضا ملابسهم وهندامهم وعرباتهم وأحذيتهم وساعاتهم ومجوهراتهم النسائية منها والرجالية.. نعم هناك مجوهرات للرجال من هذه الشريحة أو الطبقة بل ربما هى طائفة أو قبيلة جديدة.
•••
بعض البيوت والسيارات والملابس و«الكمبوندز» بأسوارها العالية تنتقل جميعا إلى مدن لهم هم فقط حتى العاملين فى خدمتهم لا يستطيعون أن يسكنوها بل يحاولوا أن يبنوا عيوشهم بعيدا عن هذه المدن الراقية ولكن بما يكفى لعدم تخلفهم عن الحضور فى مواعيد عملهم ليكونوا فى خدمة هذه الطبقة.. أو فى مدن أخرى يسكن العاملون فى مرافق خلف الفلل الفخمة والقصور وحمامات السباحة.. يراقبون سكان هذه البيوت الفارهة بكثير من الاستغراب وليس الحسد أيضا فقط يتساءلون هل هم حقا «بنى آدمين مثلنا؟».
•••
يحق للأثرياء الجدد أو محدثى النعمة أو «النوفوريش» أن يفعلوا ما يحلو لهم من حياة مرفهة ويحق لهم أيضا أن يعزلوا أنفسهم عن العامة وربما يحق لهم أن لا يخالطوهم ويعزلوا أنفسهم بشكل كامل عنهم إلا فيما ندر فبعضهم لا يزال «يخاف ربنا» أو هكذا يقول فيتصدق عليهم بما فاض من ملابس مستعملة أو بقايا طعام!! زكاة هى أو كفارة أو مشاركة للمساكين الفقراء الذين أصبحوا هم أغلبية شعوبنا ففى بعض دول المنطقة هناك أكثر من 80% من السكان من هم بحاجة إلى دعم أو معونة. هذا بعد أن اختفت الطبقة الوسطى أو تآكلت أو خنقت بفعل أقلية تتحكم فى شرايين الحياة الاقتصادية كلها.. هم أقلية نعم، يملكون كل الثروات ويتحكمون فى رفع الأسعار وزيادة الوقود وقطعه أحيانا أو تقليصه حتى يكون لهم هم فقط، فكيف سيبردون قصورهم صيفا ويدفئونها شتاء وكيف يحولون أحواض السباحة إلى صيفية وشتوية؟
•••
كل ذلك ابتلعه المواطن والمواطنة العادية أو عامة الناس وهم كثر، بل وكثيرون وكثيرات من العامة صدقوا عبارة «هذا من فضل ربى» التى تزين مداخل المحلات الفخمة والبيوت بل القصور.. لم يعد المواطن أو المواطنة يملك سوى أن يكون متفرجا فى بلده. يراقب ما يلبس هؤلاء وكيف يحتفلون وأين يتعشون وفى أى المطاعم يتجمعون أو الأندية الليلية. وهم فى ذلك كما كان «الخدم» فى العصور القديمة عندما يسترقون النظر من خلف زجاج النوافذ أو الأبواب الموصدة وفى كثير من الأحيان لا يعرفون ما يقال وما يحدث بل وما يؤكل وما يشرب.. كلها طلاسم كانت ولكنها الآن وبفعل وسائل التواصل الاجتماعى وبفعل الرغبة الجارفة للأثرياء فى أن يكونوا هم محط «الترند» أو الحديث رغم أنهم ينزعجون عندما يعلق أحدهم على تصرفاتهم وحياتهم الخاصة جدا!!! وبذلك ينشرون أمراضهم بين العامة وقد يسميها البعض ثقافة أى إنهم يعملون على نشر المعرفة والثقافة «للجهلة» من المواطنات والمواطنين الآخرين.. وهنا يسقطون المجتمع بأكمله إلى شكل من أشكال البحث عن ما يشبه فستان تلك الفتاة أو المرأة أو سيارة ذاك الثرى أو مجوهرات «بنات» تلك الطبقة الجديدة جدا.
•••
حتى هنا يبدو الأمر ليس بيد أحد وكل الحق على وسائل التواصل وربما على فضول العامة من الناس ورغبتهم فى معرفة أخبار أولئك المخلوقات التى تسكن خلف الجدران العالية وتمر بعرباتها الفاخرة من أمامهم وكأنهم غير موجودين أصلا.. كل ذلك ربما يقال طبيعى ضمن تطور الزمن والطفرة فى وسائل التواصل والرغبة فى المشاركة والتنافس «الشريف»!!! ولكن ماذا عن إذا ما قام أفراد تلك الطبقة بتلقين العامة دروسا فى معنى الفن؟؟ وماهية الموسيقى؟؟ والآداب العامة والحريات بمعنى أن الفرد حر فيما يفعل دون معايير معينة لطالما حافظة ولسنين طويلة على التراث البشرى من الموسيقى إلى الغناء والرقص وحتى فن الترفيه والرسم والنحت وغيره.
•••
كيف يتصور بعض الأثرياء منهم أن قدرته المالية التى تمكنه من شراء ما يشاء وسفره المستمر إلى بقاع الأرض الواسعة، كل ذلك يجعله أكثر معرفة وفهم للثقافة والفن؟؟ أو أنه يملك الجرأة ليقول للعامة من الناس أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة بحاجة إلى تضحيات منا جميعا وهو يقصد بذلك ضحوا أنتم وسنستمر نحن فى جمع الثروات والعيش المرفه فيما تنبشون صفائح القمامة للبحث عن بقايا قطعة لحمة أو رغيف خبز.
•••
ربما على الأثرياء والمحدثين الجدد أن يبقوا خلف أسوارهم ويتوقفوا عن استفزاز العامة عبر بضعة أمور غاية فى البساطة أولها التوقف عن إعطاء النصائح الاقتصادية بالقول «شدوا الأحزمة» ولا أن يقولوا للعامة إن الثقافة هى نحن وعليكم أنتم أن تراقبوها من خلف شاشات التلفزة أو عبر الانستجرام والفيسبوك وغيرها.. كما أنه على الأثرياء الجدد أن يتوقفوا عن نشر صورهم وهم فى يخوتهم الفخمة أو قصورهم أو فى المطاعم الفاخرة التى سعر وجبتها يعادل مرتب أكبر الموظفين لمدة سنة.. وأن لا يشاركوا العامة فى مهرجاناتهم لطالما هى حكر عليهم وتقام بمقاييسهم هم إلا إذا أن كل ذلك لا قيمة له دون متفرجين وهنا يأتى دور العامة من الناس أن يكونوا شريحة المتفرجين الذين يضعون «لايك» وإعجابا ونجوما وأقمارا وهم بذلك يزيدون تمادى أفراد تلك الطبقة أو الشريحة فى استفزاز العامة لأن بعضها ارتضى أن يبقى طول حياته متفرجا ومفعولا به ومقلدا لأولئك الذين قد يكونون أحد أسباب فقره وجهل أطفاله وبقاء عائلته فى نفس دائرة الفقر جيلا بعد جيل بعد جيل.