عبدالله ودهشة المواطنة التى لا نعرفها
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 6 فبراير 2022 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
أخذنا فى جولة بمبنى بلدية تلك المدينة البعيدة بعراقتها وتاريخها وبدأ الجولة من القاعة التى تحتضن جوائز نوبل للسلام، تلك القاعة التى لم تنصفها عدسات الكاميرات ولا الأشخاص الذين كرموا فيها أيضا، فليسوا جميعا دعاة سلام وليسوا جميعا مستحقين لذاك اللقب. لوحات على جدرانها وسقفها حتى الأرضية مختلفة جدا مثل عمر ذاك المبنى العريق. رسومات ولوحات لفنانين فى كل غرفة وكل زاوية بذاك المبنى ولكل لوحة حكاية.. هو كالحكواتى العاشق والمتمكن راح يفصل التفصيل ويعيدنا لزمن جميل بالتأكيد كان حتى لو لم نعرفه ولم نعشه.
• • •
كنا فى الما بين بين أى بين آخر جلسات الاجتماعات والعشاء الأخير فى أوسلو قبل أن نغادر جميعا بعد أسبوع حافل بالنقاشات واستعراض لتجارب لبناء السلام والسلم فى دول عدة. ولكن لم يكن بالإمكان أن أغادر دون أن أكتشف هذا اللغز المتمثل فى طفل هاجر والديه وهو فى الثالثة من عمره إلى النرويج وهو الآن نائب رئيس بلدية أوسلو.. مسافة شاسعة بين حيه الهادئ على أطراف المنامة وأوسلو!!! وقد تسرب ذاك الإحساس بالفخر والسعادة وربما بعض الفضول عندى إلى من كانوا معى، فالسعادة معدية أيضا!!! وركضنا خلف ذاك الشاب العراقى – النرويجى أيضا ليأخذنا ما بين بين لنلتقى الشاب العربى الذى استطاع أن يأخذ أصوات أكثر من منافسته النرويجية ما دفع الكثيرين للتساؤل عن سره، فهذه بلد تحترم المرأة وتعطيها الأولوية دوما فى الوظائف وغيرها.. عندما فاز بمنصبه وانتشر الخبر بين مواطنى ذاك البلد الصغير فى قلب الخليج بكثير من الفخر والفرح وسألت الأصدقاء النرويجيين عنه قالوا إن له شعبية كبيرة وهم مستغربون لفوز الرجل على المرأة وليس لفوز ابن المهاجر!
• • •
استمر هو فى الشرح ببساطة شديدة وكأنه مستغرب البهجة التى لبستنى ولبست صديقاتى، وبين مقطع وآخر يتحدث عن كفاح العمال والفلاحين النرويجيين الذين بنوا النرويج الحديثة. هو يتحدث ومخيلة كل واحدة تحلق فى مدينة عربية بعيدة تبحث بين أزقتها عن قصة نجاح شاب كهذا مهما كان مكافحا ومتفوقا!.. سرحنا نحن النساء الأربع ونحن نتطلع بإعجاب شديد ربما بذاك التاريخ وربما بهذا الشاب أو كليهما معا وما بينهما تقوم بعضهن بالتصوير لتخزين الصورة أو المشهد ليس فى الذاكرة فقط بل للمشاركة على أوسع نطاق.
• • •
عبدالله الصباغ وهذا اسم نائب رئيس بلدية أوسلو، الشاب البحرينى الذى وصل إلى أوسلو وهو فى الثالثة من عمره أى قبل أكثر من ثلاثين عاما كما قال لنا، لم يتوقف عن إثارة الدهشة المبهجة بيننا.. تسمعه يتحدث العربية بلهجة أهلنا فى النعيم أو المقابة وينقل إلى النرويجية والإنجليزية بنفس السلاسة ويعيشنا معه تاريخ هذا البلد الذى احتضنه وأسرته وهو طفل وانتخبه وهو الأصغر فى تاريخ هذا المنصب فى العمر والأول الذى يصل إليه من غير النرويجيين الأصليين رغم أن كلمة أصلى قد تنقرض من القواميس الأوروبية بعد سنوات فيما نحن نلاحق ونبحث عن الأصل!
• • •
بهدوء شديد واجه مطرا وعواصف أسئلة من نساء يلتقى بهن للمرة الأولى ولم يعرف إلا الآن لماذا هم فى أوسلو.. قال لم ينتخبنى المسلمون فقط ولا العرب وعقب الشاب العراقى – النرويجى الذى اصطحبنا بقوله «له شعبية كبيرة فهو يجالس الجميع يذهب للناس أينما كانوا». عرفنا من هذا اللقاء الما بين بين والذى لم يدم حتى لساعة، أن من مسئوليات هذا المنصب أن يستقبل الملك والملكة عند تواجدهما فى أوسلو.. نعم النرويج ملكية ودولة نفطية أيضا ولكنها لا تشبه أيا من دول النفط التى نعرفها جدا جدا!
• • •
الشعب النرويجى لا يحب البذخ حتى أثرياؤه لا يبدون كمن نعيش معهم فى دولنا النفطية وغيرها لأن التلويح بالمال أصبح وباء منتشرا بين فئات كبيرة حتى تلك التى لم تعرف النفط والتى تعيش بمحاذاة الجائعين والجائعات وهى تتفنن فى رمى الطعام أمام أعينهم أو ربما رميه لهم شفقة وكسبا لمساحة فى جنان الخلد!
• • •
انتهت لحظات ما بين بين سريعة برفقة عبدالله الذى فتح بحورا من الأسئلة التى لا تزال تطاردنا جميعا وأكثرها إلحاحا «هل يا ترى لو بقى فى مدينته هو أو غيره من المجتهدين العرب، هل كان قد وصل إلى هذا المنصب أو غيره فقط لأنه يستحق؟