مخاوف إنشاء قاعدة صينية فى غرب إفريقيا مبالغ فيها

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الأحد 6 مارس 2022 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا بتاريخ 3 مارس للكاتب كوبوس فان ستادين تناول فيه ما يثار من شائعات فى الولايات المتحدة حول عزم الصين بناء قاعدة عسكرية على المحيط الأطلسى... نعرض منه ما يلى:
أنشأت الصين أول قاعدة بحرية خارجية لها فى جيبوتى فى عام 2017 فى شرق أفريقيا، بضعة أميال بعيدا عن القاعدة الأمريكية هناك. أطلقت القاعدة أجراس الإنذار فى واشنطن بشأن الدور العسكرى الصينى المتنامى فى إفريقيا. انطلقت الشائعات حينها عن بناء قاعدة عسكرية صينية فى غينيا الاستوائية تضمن وجودا عسكريا صينيا دائما فى المحيط الأطلسى للمرة الأولى.
يبدو أن هذه الشائعات تكشف أكثر عن أولويات واشنطن بدلا من أولويات بكين. هناك أدلة على أن الصين مهتمة بتوسيع انتشارها العسكرى فى المحيط الهندى، لكن يبدو أن المخاوف بين المسئولين الأمريكيين بشأن الوجود الصينى على الساحل الأطلسى لإفريقيا تستند إلى تكهنات أكثر من معلومات استخباراتية حول نوايا بكين.
بدت التقارير الأمريكية غامضة ومثيرة للقلق؛ فتقرير وزارة الدفاع الأمريكية فى 2021 على سبيل المثال أشار إلى أن الصين تدرس 13 دولة إفريقية لمعرفة إمكانية إنشاء قواعد بها. تناولت أيضا مراكز الأبحاث تحليل التواجد الصينى فى غرب إفريقيا؛ فى تقرير للمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية قال مايكل تانتشوم بأن القاعدة الصينية المزعومة ستكون الأولى من بين عدة قواعد على الساحل الأطلسى لإفريقيا، وهى خطوة من شأنها تحويل ديناميكيات القوة العالمية، وتقويض الهيمنة الأمريكية، وتهميش أوروبا.
لماذا النقاش فى واشنطن حول الخطط العسكرية الصينية فى إفريقيا الآن كله أطلسى؟
التدقيق فى هذه الادعاءات يظهر مدى اهتزازها. يشير تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن الصين قامت ببناء ميناء تجارى فى غينيا الاستوائية كجزء من مبادرة الحزام والطريق. فى حين أن الموانئ الصينية المبنية فى أعماق البحار عادة ما يتم تصميمها لاستيعاب كل من السفن التجارية والعسكرية، إلا أن هذا لا يعنى الكثير؛ اعتبارا من عام 2019، قامت الصين ببناء أو تمويل أو تشغيل 46 ميناء ضخما فى إفريقيا جنوب الصحراء. لذا فإن مجرد وجود ميناء لا يشكل بالضرورة سببا لاستخدامه كقاعدة بحرية صينية.
كما أن حجة وجود قاعدة بحرية أطلسية تخدم استراتيجية الصين تعد حجة ضعيفة أيضا. كان أحد أسباب قيام الصين بتأسيس قاعدتها فى جيبوتى هو دعم مشاركتها فى الأنشطة متعددة الأطراف لمكافحة القرصنة فى خليج عدن. يجادل البعض الآن بأن أنشطة مكافحة القرصنة يمكن أن توفر لبكين ذريعة لإنشاء قاعدة فى غينيا الاستوائية بناء على ما جاء فى منتدى التعاون الصينى ــ الإفريقى لعام 2018 من استعداد صينى لدعم أنشطة مكافحة القرصنة فى خليج غينيا. إلا أن هذا الالتزام غاب عن المنتدى فى عام 2021 فى السنغال، وتجنبت الصين ضغوطات دول غرب إفريقيا للمشاركة فى عمليات حفظ السلام فى المنطقة. لو كانت الصين عازمة على إنشاء قاعدة، لكان من الأولى تبنيها فى قمة المنتدى لعام 2021. حتى أن الخبراء المهتمين بمتابعة المناقشات الصينية حول الدفاع لم يجدوا اهتماما كبيرا بإنشاء قاعدة فى غرب إفريقيا. هذا لا يعد دليلا، ولكنه يتناقض مع المحادثات الموجودة فى بيكين والتى تهتم أكثر بشرق أفريقيا. فجولة وزير خارجية الصين فى يناير ركزت بقوة على الدول المطلة على المحيط الهندى والدول الجزرية فى إفريقيا. بعد ذلك مباشرة، زار جزر المالديف وسريلانكا، وفى نفس الأسبوع التقى بممثلين من عُمان والكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين وإيران ومجلس التعاون الخليجى. يشير كل هذا إلى الاهتمام الصينى بمنطقة شمال المحيط الهندى وليس المحيط الأطلسى.
فلماذا النقاش فى واشنطن حول الخطط العسكرية الصينية لأفريقيا أطلسى طوال الوقت؟ قد يرجع الأمر إلى حالة اللايقين المستمر بشأن مستقبل الوجود العسكرى الأمريكى فى إفريقيا. خططت إدارة ترامب فى 2019 لخفض حاد فى عدد القوات الأمريكية فى إفريقيا، وناقشت الانسحاب الكامل من غرب إفريقيا، وسحب ترامب بشكل مفاجئ غالبية القوات الأمريكية من الصومال فى عام 2020، ما عقد من مهمة الجيش الأمريكى فى منطقة تعانى بالفعل من جماعات إرهابية مثل حركة الشباب. ولاتزال حالة اليقين بشأن مستقبل الجيش الأمريكى فى إفريقيا مستمرة فى ظل إدارة بايدن.
لم توضح أحدث «مراجعة للوضع العالمى» للبنتاجون، والتى صدرت فى نوفمبر 2021، هذه المشكلة: فهى تقول أن مستويات القوات الأمريكية المستقبلية فى إفريقيا لا تزال تخضع «للعديد من المراجعات».
تفترض الرواية الأطلسية أيضا أن مثل هذه القاعدة ستكون تحديا أمنيا كبيرا للجيش الأمريكى. ومع ذلك، يقدر جان بيير كابيستان، الخبير فى العلاقات بين الصين وجيبوتى، أن قاعدة جيبوتى تضم حاليا نحو 2000 جندى صينى؛ أى ما يعادل أقل من نصف عدد الأفراد الأمريكيين فى قاعدة ليمونيير بجيبوتى. حتى لو قامت الصين ببناء قاعدة على المحيط الأطلسى ضعف حجم مينائها البحرى فى جيبوتى، فإنها ستظل صغيرة أمام القوة المشتركة للولايات المتحدة وحلفائها فى المحيط الأطلسى.
هذه الأسئلة لا تركز على القضية الحقيقة. قد يكون ستيفين تاونسند، بصفته رئيسا للقيادة الأمريكية فى إفريقيا، مركزا على الحصول على دعم عاطفى من صانعى السياسية فى الكابيتول هيل، والذين سيقررون الميزانيات المستقبلية لقيادته. من يعرف؟ قد يحدث أن تبنى الصين قاعدة فى ميناء غينيا الاستوائية، لكن حقيقة استمرار القصة فى الظهور بدون أدلة، تكشف عن أولويات واشنطن أكثر من بيكين.

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved