المرأة والحكومة.. علاقة قوة جديدة
جميل مطر
آخر تحديث:
الإثنين 6 أبريل 2009 - 6:06 م
بتوقيت القاهرة
يزداد عدد النساء اللاتى يشكين من أن كثيرا من رجال هذه الأيام يتهربون من تحمل مسئوليات، هى فى الأصل ــ حسب رأى النساء ــ من نصيب الرجال. تصادف أننى قابلت فى يوم من أيام هذا الأسبوع باحثة متمكنة قضت وقتا طويلا تدرس ما طرأ على علاقة المرأة بالرجل، وبخاصة فى مناطق العشوائيات بمصر ودول عربية أخرى. عرفت منها أن عددا كبيرا من النساء اللاتى قابلتهن عبّرن لها عن التغيير الذى أصاب العلاقات داخل الأسرة المصرية. قالت النساء إنهن لا يرتحن إذا تركن أطفالهن مع آبائهم وخرجن إلى العمل. شكين من أنهن يعدن إلى منازلهن ليجدن الأطفال خارج المنزل، بينما الأزواج فى سبات عميق، أو يلعبون الورق مع أصدقائهم، أو غائبون عن الوعى. اشتكى بعضهن، فى خجل، من أن أزواجهن صاروا يعتمدون أكثر من اللازم على دخولهن الشهرية أو اليومية من الأعمال التى يشتغلن بها خارج المنزل.
غير خاف ما ينتج عن هذا السلوك «الرجالى» من نفور داخل الأسرة، وبخاصة بين الزوج والزوجة، ولكن أيضا بشكل معلن، وينذر بعواقب خطيرة، بين الأولاد وأبيهم بعد أن أدركوا أنه لم يعد العائل الذى يفترض أن يكون.
كنت قد تابعت هذه المشكلة منذ أكثر من عامين. وأعرف الآن أنها تفاقمت إلى الحد الذى جعل الأستاذة الباحثة تختارها موضوعا للدراسة المستفيضة على أمل أن تتحول إلى كتاب.
صار مألوفا فى أحياء الطبقة الوسطى منظر سيدات، هن فى الغالب أمهات، يصحبن أطفالهن إلى المدارس الخاصة كل صباح ويعدن بهم إلى المنزل فى الظهيرة أو بعدها. نادرا ما نرى الأب يقوم بهذه المهمة التى تستدعى الاستيقاظ والخروج مبكرا. وأسمع أن المسئولين فى المدارس الأجنبية وفى كثير من المدارس الخاصة الأخرى يشكون من عدم مشاركة الآباء فى مجالس «الآباء»، على الرغم من أنها سميت باسمهم ولم يسموها مجالس الأمهات.
لاحظنا، الباحثة المتخصصة من جانب وأنا من جانب آخر، أن تغيرا جوهريا حدث فى العلاقات العائلية أدى إلى حدوث تغير جوهرى أيضا فى علاقة المرأة المصرية بالدولة. ففى كثير من الأحياء الفقيرة وبخاصة فى العشوائيات نشأت علاقة بين المرأة والسلطة صنعت حلقة جديدة فى منظومة علاقات القوة فى المجتمع المصرى. وجدنا مثلا المرأة فى هذه المناطق تتولى تأدية معظم المهام العائلية التى تتطلب إقامة علاقات بالحكومة، فهى مثلا الطرف فى العائلة الذى يتولى الاتصال بأفراد العصابات الذين يقومون بمد أسلاك الكهرباء بطرق غير قانونية ويستقبل مندوبى التعداد وعمال النظافة ويتوسط لدى ممثل «الحكومة» فى الحارة أو الزقاق أو الحى. وهى الطرف الذى يقوم بعقد الصفقات مع الدعاة وممثلى الجماعات الدينية الذين يضغطون ويتدخلون من أجل الوفاء بالتزام أو آخر.
وعند الاستفسار عن دوافع المرأة للقيام بهذه الوظائف، وأغلبها وظائف ثقيلة وأحيانا مهينة، أجاب البعض من النساء بأن المرأة تؤدى هذه الوظائف تفاديا لغضب الزوج أو مماطلته فى الإنجاز أو لإقناعه بالبقاء فى المنزل فى صحبتها وصحبة الأولاد أطول وقت ممكن. أجاب بعض آخر بأنه يؤديها استجابة لأوامر من الأزواج الذين لا يريدون الدخول فى مشكلات مع الحكومة.
أغلبية الزوجات أجابت بأنهن يفعلن هذا لأنهن يخشين على أزواجهن وأبنائهن الذكور من سوء المعاملة التى يلقاها عادة المواطنون من الرجال عندما تجبرهم الظروف، وما أكثرها، على التعامل مع «الحكومة» ممثلة فى جنود وضباط الشرطة وعمال الكهرباء والمياه والنظافة ومسئولى المجلس المحلى ونظار المدارس ومعلميها وأطباء المستشفيات الحكومية وممرضيها وموظفى المصالح والوزارات.
كل هؤلاء يعاملون المواطنين من الرجال معاملة خشنة تصل أحيانا إلى السب والضرب وأحيانا أخرى إلى الحبس والتعذيب، وتبقى المرأة، حتى الآن على الأقل، تحظى بمعاملة أقل سوءا وإن كانت مصحوبة بنوع أو آخر من أنواع التحرش.
كثير ما نبهنا فى مرحلة مبكرة إلى خطورة بعض عواقب الهجرة إلى دول النفط، وبخاصة حين لاحظنا أن الرجال فضلوا السفر بدون عائلاتهم مخلفين وراءهم نساء يحملن وحدهن مسئولية تربية الأطفال وإدارة شئون الأسرة ورعاية مصالحها، وتولين تسيير المعاملات الرسمية كاستخراج شهادات الميلاد والتصديق على المستندات. بمعنى آخر أقمن علاقات مباشرة مع «الدولة». وعندما عاد الرجال بعد أربع أو ثمانى سنوات من الغربة وجدوا بنات وأبناء نشأوا فى غياب آباء وشبوا فى أحضان نساء. ووجدوا زوجات تعودن على العيش بدون أزواج، عازبات فعلا وزوجات شرعا. وكانت التكلفة باهظة، ولا تزال.
تعالوا نتأمل فى حالنا ونتخيل ما هو آت.