لعنة الصمت

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 6 أبريل 2025 - 5:40 م بتوقيت القاهرة

لا أريد أن أعرف.. لا يريدون أن يعرفوا.. يبعدون أنظارهم عن الشاشات التى تطاردهم، يأخذون المحرك لينتقلوا من محطة لأخرى ومن «إنفلونسر» لآخر و«بلوجر» لأخرى!
• • •
ينتهى رمضان وكوم الطعام الذى رمى فى مكبات النفايات يفوق التصور، يأتى العيد فتتلون الشوارع بملابسهم وأفراحهم، ينتقلون إلى مدن بعيدة «يعيثون» فيها استهلاكا يلتهمون الأطعمة ويفترشون الأرصفة نافثين دخان «الشيشة» أو «الأرجيلة».. يتزينون بأحدث منتجات بيوت الأزياء الحقيقية منها وتلك المقلدة لماركات عالمية باهظة التكلفة، وينقلون صور أيامهم طبق الأصل إلى أى مكان ينتقلون إليه.. يسرقون الأنظار بين الذكور والإناث ويتنافسون على لفت الأنظار. أما الأكثر ثراء فيقضون أوقاتهم بين مطعم فاخر ونادٍ ليلى أو محلات أزياء فى العواصم الأوروبية حيث التباهى بأنهم مع علية القوم من تلك المجتمعات مؤكدين بقايا عقدة الرجل الأبيض والتماهى به، بل تقليده حتى فى بعض تصرفاته المتعالية!
• • •
يرفعون صوت الموسيقى من سياراتهم الفارهة ويتجولون باحثين عن «صيد» ثمين! قد يشفقون على بعض المتسولين فى تلك العاصمة البعيدة أو ذاك «الهوملس» الذى رفع لافتة «ساعدونى إننى جائع جدا» فيشترون له «ساندوتش» أو يرمون ببعض القطع المعدنية غير مدركين أن هناك الآلاف من الجياع فى الأرض القريبة منهم بين أهلهم. بعضهم يتباهى بالجلوس فى المقاهى خاصة تلك التى على رأس قوائم المقاطعة لمناصرتها الصهاينة وحرب الإبادة، وربما يشترى لأطفاله ذاك المشروب الفوار الذى منذ أن تمت صناعته على يد الصيدلى جون ستيث بيمبيرتون فى العام 1886 وهو يتحول ليجارى ذوق الصهاينة حتى إنه يحول غطاءه إلى اللون الأصفر ليواكب أعياد «الكوشر»!
• • •
يتباهون بأكياس قد تنفجر من الملابس من نفس تلك المحلات التى سخرت من المجزرة وتحدتهم جميعا أى الـ430 مليون عربى و2 مليار مسلم، بل وكل البشرية فكان البعيد أكثر تضامنا من القريب والأهل! تتكدس الملابس وأهلهم عراة نساء وأطفالا وشيوخا ورجالا أبرياء، إلا من حبهم لأرضهم ووطنهم فتكون هدية أعيادهم هى مزيد من القذائف «الذكية» جدا حيث تتطاير أجسادهم الندية.. وهم هنا وهناك يصرخون هل استمتعتم بالمشهد؟
• • •
إلا أنها وهو وهى يرددون لم يعد القلب قادرا على هذا الوجع اطفئوا الأجهزة واقلبوا المحطات ودعونا نعيش لأننا عاجزون! إلا أنه ليس بالعجز، بل هو الصمت ذاك الذى سيطاردنا جميعا لأننا يوما ما وقفنا صامتين والجريمة علنية، بل الحرب على البشرية والإنسانية وكل أوصاف الحروب البشعة مستمرة أمام أنظارنا.. وكل ما يقدرون عليه هو التبرير بأن «ما نحن قادرون على فعل شىء» فكأن العجز وباء قد امتد لينال من كل منا وكأنه من الصعب أن نكون كما يفعل كثير من أحرار الكون المؤمنين بالإنسانية والمدافعين عنها، بأن يتظاهروا، يرفعوا الصوت، يرفضوا الظلم، ينشروا عنه، وينشروا الوعى به.
• • •
لعنة الصمت ستطارد الجميع ولن تقف عند حدود أو عند جيل، بل سيسأل الأطفال عندما يكبرون «أين كنتم؟» عندما تطايرت جثثهم ثم سقطت على الأرض الطاهرة المرصعة بأشلائهم بعد أن سقاها دمهم الطاهر. وماذا فعلتم عندما صرخ الأطفال «سنموت من الجوع أو العطش أو القذيفة»؟ هل رحلتم بأنظاركم وعدتم تمارسون شهوات الأيام العادية، بل تبحثون عن ذاك المطعم أو تلك المدينة لقضاء الإجازة القادمة وما بينهما حفلات الزواج والخطوبة وذكرى الزواج وأعياد الميلاد والهدايا الثمينة؟
• • •
لعنة الصمت أقسى من أضعف الإيمان والعمل، ولكننا شعوب غيبت «مع سبق الإصرار والترصد» عن واقعها وعاشت فى فقاعة من الحسيات الباهتة حتى غرقت فيها ونامت فى سبات عميق قد تفيق منه يوما ربما، وقد تبقى تلعن الزمن والآخر وربما المستعمر قبل أن تنظر إلى داخلها وتطيل التأمل فى واقعها وقد تحولت كما من يعيش على هامش البشرية فلا إنتاج علميا ولا بحوث ولا تعليم ولا بناء لأوطان ولا حتى المحافظة على ما تبقى من ملامح إنسانيتها وأخلاقياتها الماضية، لتتحول إلى نماذج مكررة لأفراد كثيرى الشبه حد الملل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved