«وهم الدولتين»

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 6 مايو 2019 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

قبل أكثر من ربع قرن، وقعت إسرائيل والفلسطينيون اتفاق «غزة أريحا أولا» أو ما سمى بـ«إعلان المبادئ» لترتيبات انتقالية لمنح الفسطينيين حكما ذاتيا على جزء من أرضهم المحتلة التى شهدت انتفاضة شعبية أجبرت إسرائيل أولا، والعرب ثانيا والقوى العظمى ثالثا على التحرك لايجاد حل سياسى يمكنه احتواء أو الالتفاف على التهديد الحقيقى لوجود الكيان الصهيونى.

ففى 13 سبتمبر 1993 شهدت حديقة البيت الأبيض الأمريكى فى واشنطن، مصافحة قيل إنها تاريخية بين الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات «أبوعمار»، ورئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت إسحق رابين، والتى جرت أمام الرئيس الأمريكى وقتها، بيل كلينتون، وبحضور نحو 3 آلاف مدعو جلسوا أمام عدسات مصورى وسائل الإعلام العالمية، فى حدث زف للعالم باعتباره بداية لحل سحرى لنزاع طال أمده.

الاتفاق الذى جاء تتويجا لمفاوضات سرية بين إسرائيل والفلسطينيين فى العاصمة النرويجية أوسلو بين يناير وأغسطس 1993، فتح الطريق أمام عودة أبوعمار إلى الأراضى الفلسطينية تحت لافتة «غزة أريحا أولا» التى اعتبرها قطاع كبير من معارضى المفاوضات مع الكيان الصهيونى فى ذلك الحين أنها «غزة أريحا أولا وأخيرا» فى إشارة إلى أن إسرائيل لن تقدم للفلسطينيين أكثر من ذلك.

اليوم وبعد رحلة طويلة مرت باغتيال عرفات نفسه بالسم الإسرائيلى بعد حصاره لأكثر من 3 سنوات داخل مقره بالمقاطعة فى رام الله، قبل إعلان وفاته فى مستشفى عسكرى فى باريس، (11 نوفمبر 2004)، يبدو أن خيار «غزة أريحا أولا» ربما لن يكون الأخير فقط، بل سيصبح جزءا من الماضى المطلوب دفنه إلى الأبد.

فمع العدوان الإسرئيلى المتكرر على غزة، وقضم المزيد من اراضى الضفة الغربية المحتلة بالمستوطنات، وابتلاع القدس المحتلة وإعلانها عاصمة أبدية للكيان الصهيونى، باعتراف أمريكى سافر، تروج واشنطن وإدارة ترامب لما يسمى «صفقة القرن»، تلك الصفقة المشبوهة التى لا يعلم الفلسطينيون ولا العرب ماذا ستتضمن فى نهايتها، وسط غموض أمريكى مقصود، يجرى تسويقه قطعة قطعة.

فبعد أن عاش قطاع من الفلسطينيين لدى دخول عرفات غزة فى يوليو 1994 تحت تأثير حلم إقامة دولتهم المستقلة «وعاصمتها القدس»، التى باتت «القدس الشرقية» فى تصريحات المسئولين الفلسطينيين بعد رحيل رمزهم التاريخى «أبوعمار»، ها هى القدس تتبخر، والضفة مهددة بالزوال بعد أن حولتها المستوطنات الإسرئيلية والجدران العازلة إلى قطعة من الجبن السويسرى الملىء بالثقوب.

وها هى ورقة حل الدولتين تطير فى الهواء، فقد أعلنها صريحة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى وكبير مستشاريه: أن على الفلسطينيين والعرب نسيان «حل الدولتين» مؤكدا أن «صفقة القرن» التى سيكشف عنها النقاب عقب انتهاء شهر رمضان الجارى، لن تشير من قريب أو بعيد لمثل هذا الوهم.

الصفعة الجديدة التى جاءت كتسريب لجانب من «صفعة القرن» بتعبير رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «أبومازن»، بررها كوشنر بأن خطة بلاده للتسوية فى الشرق الأوسط لن تأتى على ذكر «حل الدولتين كونه خلافيا»، لأنه «يعنى شيئا للإسرائيليين، وشيئا آخر مختلفا عند الفلسطينيين»، ولهذا السبب يضيف صهر الرئيس الأمريكى: «قلنا إن ما علينا فعله هو ألا نأتى على ذكر ذلك».

كوشنر لم يقل إن صفعته المرتقبة لوهم الدولتين، جاءت ضمن رحلة انحياز أمريكى سافر للكيان الصهيونى منذ إعلان دولة إسرائيل عام 1948، ومرورا بكل الحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب، وحتى الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لكيان غاصب، وتبجح ساكن البيت الأبيض بضم إسرائيل للجولان السورى المحتل، وهى القرارات الأمريكية المعلنة التى تشكل محطات على طريق محو كل ما هو فلسطينى من الوجود.

وليس غريبا أن يأتى كلام كوشنر عن شطب «وهم الدولتين» من قاموس التفاوض، بالتزامن مع توسع إسرائيل فى عدوانها الغاشم على غزة، وسط صمت عربى ودولى، يؤكد أن «سلام الشجعان» الذى تحدث عنه أبوعمار أصبح فى خبر كان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved