سير العلماء عندنا: فكرة حان أوانها
محمد زهران
آخر تحديث:
الإثنين 6 مايو 2019 - 11:35 ص
بتوقيت القاهرة
تكلمنا في مقالات سابقة وفي غير موضع عن أهمية قراءة تاريخ العلوم والتكنولوجيا وسير العلماء فلن نعيد ما قلناه هنا، وقد كتبنا عدة مقالات وسنكمل ذلك إن شاء الله في المستقبل عن الكثير من علمائنا في مصر في المائة عام الأخيرة، لكن دعني أشركك عزيزي القارئ في بعض المصاعب التي أجدها في كتابة هذه النوعية من المقالات.
أولاً المعلومات المتوفرة عن علمائنا قليلة للغاية عن الإنترنت وأغلب الموجود غير دقيق بالمرة، إذا فحتى نعرف مجرد أسماء العلماء (لأننا نريد تعريف الناس بالعلماء الغير مشهورة أسمائهم) هي مهمة غير سهلة وغالباً تأتي من بعض الأصدقاء الذين يقترحون أسماء معينة أو أكتب عن أحد العلماء وأثناء بحثي عن هذا العالم أجد أسماء أخرى عاصرته أو تعاملت معه أو أثرت فيه أو أجد أسماء في مراجع تاريخية عن تاريخ الجامعة مثلاً أو ما شابه وقد شرحت في مقال سابق الشروط الواجب توافرها في هذا العالم حتى أكتب عنه ومنها على سبيل المثال أن يكون (أو تكون) حقق إنجازات على المستوى العلمي وياحبذا لو على المستوى الثقافي والإداري أيضاً وأن يكون غير مشهور وأن يكون قد حقق إنجازاته وهو في مصر في ظل قلة الإمكانيات حتى يكون مثلاً يحتذى به وأن يكون قد توفى (ولكني قد أتخلى عن هذا الشرط مستقبلاً)، تأتي المرحلة التالية بعد إختيار الأسماء وهي تجميع المعلومات والتدقيق فيها وهو شيء في منتهى الصعوبة لأنه كما قلنا المعلومات على الإنترنت قليلة وغير دقيقة فيجب الحصول على المعلومات من مصادر أخرى مثل أرشيف المجلات العلمية والثقافية وكذلك ما كتب عن الشخصية في كتب أخرى بالإضافة طبعاً إلى الحديث مع أحد أفراد العائلة إن أمكن ذلك، نأتي الآن إلى النقطة الأصعب والمتأصلة في العرف عندنا: هل نذكر فقط نجاحات هذا العالم؟ هنا يجب أن نلفت النظر أن التراجم ليست مقالات تأبين من نوع "إذكروا محاسن موتاكم"، إحدى أهداف تراجم العلماء هو التعلم من حياة هذا العالم من مصاعب ونجاحات وإخفاقات وأعني الحياة الشخصية والعملية لأن كل منها تتأثر بالآخر وإذا تحدثنا عن الحياة العلمية والعملية فقط فسنهمل الجانب الإنساني وستكون الشخصية غير حية أمام الأجيال القادمة، إذا أعطينا الجيل الجديد المصاعب والنجاحات فقط من حياة أي عالم فسيظنون أن النجاح هو النتيجة الحتمية طالما نبذل الجهد وهذا منظور خطير جداً لأن على المرء السعي وليس عليه إدراك النجاح، النجاح يعتمد على عوامل كثيرة بعضها في يدك والبعض الآخر ليس في يدك، إذا فحتى العلماء الكبار وحتى الحاصلين منهم على جوائز كبرى يفشلون أحياناً في حياتهم العملية وحياتهم الشخصية بل وقد يحصلون على الجوائز الكبيرى بطرق قد تكون ملتوية حتى وإن كانت أبحاثهم عظيمة لأن الأبحاث العظيمة أكثر من الجوائز،وهذا ما يجب أن نمرره للأجيال الجديدة: كيف تمتص مرارة الفشل وتتعلم منها وتكمل طريقك، فهل ترضى عائلة أي عالم أن نذكر فشله كما نذكر نجاحاته؟ وأنا أكرر هنا "فشله" وليست "الصعوبات التي واجهها" وإن كان الفشل نوع من الصعوبات، هذا يقودنا إلى فكرة أطرحها في هذا المقال.
هناك الكثير من العلماء المميزين جداً والذين يعملون في ظل صعوبات كبيرة وقلة إمكانيات ومع ذلك ينتجون أبحاثاً مميزة ويؤثرون في طلابهم والباحثين الصغار، هؤلاء العلماء أمد الله في أعمارهم أليس من الأفضل أن نقابلهم ونجري معهم حوارات مطولة قد تستغرق ساعات يتحدثون عن حياتهم وعملها ونجاحاتهم وفشلهم والعلماء الذين تعاملوا معهم وماهم فخورون بهم وما هم نادمون عليه إلخ؟ وبهذا يكون عندنا تاريخاً مسجلاً نستطيع تحويله إلى كتب ومقالات في المستقبل، في فترة الصبا وقد كنت من هواة سماع الراديو وكان هناك برنامجاً إذاعياً بعنوان "مع العلماء في دائرة الضوء" وكان يأتي في البرنامج العام ومن إعداد وتقديم الإذاعية القديرة أميمة كامل، هذا البرنامج هو فكرة مجسمة لما أعرضه في هذا المقال ولكن نريد أن نتوسع ولا يكون تسجيل الحديث مقيداً بمدة معينة مثل البرنامج الإذاعي بل نريد حديثاً مفصلاً.
أريد أيضاً أن ألفت النظر أنني أتوسع قليلاً في تعريف العلماء فأدخل في زمرتهم بعض علماء الإنسانيات أيضاً لأنه كما قلنا كل العلوم تؤثر في بعضها البعض وإذا رجعنا إلى الوراء في التاريخ لوجدنا الإنسانيات تتداخل مع العلوم الطبيعية بل وبعض العلوم الطبيعية ولدت من رحم علوم إنسانية.
نحن نعرف الكثير عن حياة الفنانين والرياضيين (من الرياضة البدنية وليس الرياضيات) والسياسيين عندنا ولكننا لا نعرف الكثير عن حياة العلماء لأننا نظن أن العلم ممل وصعب وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة فهناك الكثير من القصص المثيرة جداً في مسيرة العلم والعلماء.