كذبة إسرائيل الكبرى
صحافة عالمية
آخر تحديث:
الإثنين 6 مايو 2024 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
إن إسرائيل، من خلال استخدام آليتها العسكرية ضد السكان العزل الذين لا يملكون وحدات ميكانيكية، وسلاحا جويا، وبحرية، وصواريخ، ومدفعية ثقيلة، وقيادة وسيطرة، ناهينا عن التزام الولايات المتحدة بتقديم حزمة مساعدات دفاعية، هى بذلك لا تمارس «حق الدفاع عن نفسها» بل إنها تنفذ القتل الجماعى أو جريمة حرب.
لقد قضيت سبع سنوات فى الشرق الأوسط كمراسل، أربع منها كرئيس لمكتب نيويورك تايمز للشرق الأوسط. أنا متحدث عربى. عشت لأسابيع فى غزة، أكبر سجن مفتوح فى العالم حيث يعيش أكثر من مليونى فلسطينى على حافة المجاعة، ويكافحون من أجل العثور على مياه نظيفة، ويتحملون الإرهاب الإسرائيلى المستمر. كنت أشاهد الآباء والأمهات ينتحبون فى حزن ويحتضنون أجساد أبنائهم وبناتهم الملطخة بالدماء. وبينما أعارض إطلاق الصواريخ العشوائى من قبل الفلسطينيين على إسرائيل، وأعارض التفجيرات الانتحارية، وأعتبرها أيضًا جرائم حرب، فإننى أدرك تمامًا وجود تفاوت كبير بين العنف الصناعى الذى تنفذه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى البرىء والحد الأدنى من أعمال العنف التى يمكن أن تشنها جماعات مثل حماس.
• • •
إن التكافؤ المزيف بين العنف الإسرائيلى والفلسطينى كان له شبيه خلال الحرب التى غطيتها فى البوسنة. ومنا من تعرض يوميا للقصف فى مدينة سراييفو المحاصرة بمئات القذائف الثقيلة والصواريخ من الصرب المحيطين حيث تم استهدافنا بنيران القناصة. عانت المدينة بضع عشرات من القتلى والجرحى كل يوم. وردت القوات الحكومية داخل المدينة بإطلاق قذائف الهاون الخفيفة والأسلحة الخفيفة. استغل أنصار الصرب أى خسائر تسببت فيها قوات الحكومة البوسنية للعب نفس اللعبة القذرة، على الرغم من أن أكثر من 90 فى المائة من عمليات القتل فى البوسنة كانت بسبب خطأ الصرب، كما هو الحال أيضا فيما يتعلق بإسرائيل.
التشابه الثانى وربما الأكثر أهمية هو أن الصرب، مثل الإسرائيليين، كانوا المخالفين الرئيسيين للقانون الدولى. تنتهك إسرائيل أكثر من 30 قرارًا من قرارات مجلس الأمن الدولى. إنه انتهاك للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التى تعرّف العقاب الجماعى للسكان المدنيين على أنه جريمة حرب. كما أنه انتهاك للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة من أجل توطين أكثر من نصف مليون يهودية ويهودى إسرائيلى على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وللتطهير العرقى لما لا يقل عن 750 ألف فلسطينى وفلسطينية عند قيام الدولة الإسرائيلية و300 ألف آخرين بعد غزة والقدس الشرقية حيث تم احتلال الضفة الغربية فى أعقاب حرب عام 1967.
إن ضم إسرائيل للقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية ينتهك القانون الدولى، وكذلك بناءها للجدار الأمنى فى الضفة الغربية الذى يضم الأراضى الفلسطينية إلى إسرائيل. إنه انتهاك لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذى ينص على أنه «ينبغى السماح للاجئين الفلسطينيين الراغبين فى العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم بالقيام بذلك فى أقرب وقت ممكن عمليًا».
هذه هى الحقيقة. وأى نقطة انطلاق أخرى لمناقشة ما يجرى بين إسرائيل والجانب الفلسطينى هو كذبة.
• • •
إن حركة السلام واليسار السياسى التى كانت نابضة بالحياة فى إسرائيل، والتى أدانت واحتجّت على الاحتلال الإسرائيلى عندما كنت أعيش فى القدس، فى طريقها إلى الاحتضار. إن أولئك الذين ليسوا يهودا فى إسرائيل هم إما مواطنون من الدرجة الثانية أو يعيشون تحت احتلال عسكرى. إسرائيل لا تدافع عن حكم القانون. إسرائيل ليست دولة ديمقراطية. إنها دولة فصل عنصرى.
إن استمرار احتضان كذبة إسرائيل من قبل النخب الحاكمة واستخدامها كأساس لأى نقاش حول إسرائيل هو شهادة على القوة المفسدة من المال، فى هذه الحالة من اللوبى الإسرائيلى. لقد استخدم اللوبى الإسرائيلى بلا خجل نفوذه السياسى الهائل لمطالبة الأمريكيين بأداء قسم الولاء الفعلى لإسرائيل. إن إقرار 35 هيئة تشريعية فى الولايات للتشريعات التى يدعمها اللوبى الإسرائيلى والتى تطالب عمالها ومقاوليها تحت التهديد بالفصل، بالتوقيع على قسم مؤيد لإسرائيل والتعهد بعدم دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، هو استهزاء بحقنا الدستورى فى حرية التعبير.
يتجسس اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة، غالبًا بتوجيه من وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية، على أولئك الذين يدافعون عن حقوق الشعب الفلسطينى. وهو يشن حملات تشهير عامة ويضع أنصار حقوق الشعب الفلسطينى على القائمة السوداء، بمن فيهم المؤرخ اليهودى نورمان فينكلشتاين والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة للأراضى المحتلة، ريتشارد فولك (يهودى أيضا) وطلاب الجامعات، وكثير منهم يهود، فى منظمات مثل طلاب العدالة فى فلسطين.
لقد أنفق اللوبى الإسرائيلى مئات الملايين من الدولارات للتلاعب بالانتخابات الأمريكية، بما يتجاوز بكثير أى شىء يُزعم أن روسيا أو الصين أو أى دولة أخرى قامت بتنفيذه. تم توثيق التدخل العنيف من قبل إسرائيل فى النظام السياسى الأمريكى، والذى يتضمن نشطاء ومانحين يجمعون مئات الآلاف من الدولارات كمساهمات للحملات فى كل دائرة من دوائر الكونجرس الأمريكى لتمويل المرشحين الموالين لتل أبيب.
• • •
كلما طالت فترة تبنى السرد الإسرائيلى الكاذب، كلما أصبح العنصريون والمتطرفون ومنظرو المؤامرة وجماعات الكراهية اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل وخارجها أكثر قوة. أدى هذا التحول المطرد إلى أقصى اليمين فى إسرائيل إلى تعزيز التحالف بين إسرائيل واليمين المسيحى، وكثير منهم معادون للسامية. وكلما وجه اللوبى الإسرائيلى تهمة معاداة السامية ضد أولئك الذين يدافعون عن الحقوق الفلسطينية، كما فعلوا ضد زعيم حزب العمال البريطانى، جيريمى كوربين، كلما شجعوا معادى السامية الحقيقيين.
إن العنصرية، بما فى ذلك معاداة السامية، أمر خطير. إنها ليست سيئًة لليهود فقط. بل للجميع. إنها تمكّن قوى الظلام من الكراهية العرقية والدينية فى أقصى الحدود. لقد أقامت حكومة نتنياهو العنصرية تحالفات مع قادة اليمين المتطرف فى المجر والهند والبرازيل، وكانت متحالفة بشكل وثيق مع دونالد ترامب والعنصريين والشوفينيين الإثنيين، كما رأيت فى الحروب فى يوغوسلافيا السابقة، إنهم يتغذون من بعضهم البعض. ويقسمون المجتمعات إلى معسكرات مستقطبة ومعادية لا تتحدث إلا بلغة العنف
يحتاج الجهاديون المتطرفون إلى إسرائيل لتبرير عنفهم، تمامًا كما تحتاج إسرائيل الجهاديين المتطرفين لتبرير عنفها، إن هؤلاء المتطرفين هم توائم أيديولوجية. يؤدى هذا الاستقطاب إلى نشوء مجتمع خائف ومتعسكر بحيث يسمح للنخب الحاكمة فى إسرائيل، كما فى الولايات المتحدة، بتفكيك الحريات المدنية باسم الأمن القومى.
هناك العديد من أوجه الشبه بين التشوهات التى تصيب إسرائيل والتشوهات التى تصيب الولايات المتحدة. يتحرك البلدان بسرعة فائقة نحو فاشية القرن الحادى والعشرين، مغطاة بلغة دينية، والتى ستبطل ما تبقى من حرياتنا المدنية وتقتل ديمقراطياتنا الهزيلة. إن فشل الولايات المتحدة فى الدفاع عن سيادة القانون، والمطالبة بمنح الشعب الفلسطين»، الأشخاص المستضعفين، حتى فى العالم العربى، حقوق الإنسان الأساسية، يعكس التخلى عن الضعفاء داخل مجتمعنا.
أخشى أننا نسير فى الطريق الذى تتجه إليه إسرائيل الذى سيكون مدمرا للشعب الفلسطينى كما سيكون مدمرا لنا.
كريس هيدجز
ترجم المقال مركز إدراك للدراسات والاستشارات