الصحفيون والحوار الوطنى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 6 يونيو 2022 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
الدعوة إلى الحوار الوطنى، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال إفطار الأسرة المصرية فى 26 أبريل الماضى، فتحت بابا أمام الأحزاب والتيارات السياسية والقوى الفاعلة فى المجتمع للخروج من حالة الجمود السياسى التى أحاطت بنا، على عكس ما كان متوقعا بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية، كما أنها عززت من فرص النقاش العام حتى وإن ظهر على السطح التضارب والتصادم فى الأفكار والرؤى، فهذه طبيعة أى حوار متعدد الأطراف.
قد يفهم البعض أن الحوار لابد أن يكون مقصورا على الأحزاب والتيارات السياسية سواء تلك الممثلة فى المجالس النيابة، أو غير الممثلة، باعتبارها تعبيرا عن توجهات وقوى سياسية واقتصادية واجتماعية، غير أن مفهوم الحوار الوطنى يجب أن يتسع لما هو أبعد من ذلك، فالأحزاب على تعددها وتنوعها لا يستطيع أحد أن يزعم أنها التعبير الحقيقى لفئات مجتمع المائة مليون مصرى.
ومن غير أن يكون ذلك تشتيتا للحوار أو المتحاورين، ربما يكون مفيدا أن نسمع أصوات النقابات المهنية والعمالية، وممثلى العمل الأهلى، والجامعات ومراكز البحث، وكل تجمع أو مؤسسة ذات نفع عام، شريطة أن يقتصر تمثيلها على عدد محدود يتم اختيارهم عقب نقاش داخلى تتبلور خلاله رؤية كل جهة أو جماعة لما هو مطلوب من الحوار وأولويات العمل خلال الفترة المقبلة.
من هنا استقبلت الدعوة التى وجهها الأستاذ ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، إلى زملائه «لإرسال مقترحاتهم لقضاياهم فى الحوار الوطنى الذى تستضيفه الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب»، بالترحيب، وإن فضلت ألا يقتصر الأمر على إرسال بعض مقترحات مكتوبة عبر الوسائط الإلكترونية، من وراء كيبورد، وأن تكون الدعوة إلى نقاش حى ومباشر وسط الجماعة الصحفية، وخاصة بين الزملاء المهتمين بالعمل النقابى ويشغلهم مستقبل مهنتهم.
نقيب الصحفيين طالب بأن تكون المقترحات منصبة على عدة محاور بينها ما هو تشريعى، يختص بما يريده الصحفيون من حذف وتعديل بالقوانين واللوائح ذات الصلة بالصحافة، وما هو على علاقة بـ«الممارسة المهنية»، وما يراه الصحفيون ضروريا لإتاحة بيئة مهنية جادة وحرة، قادرة على أداء «رسالة الصحافة السامية» تجاه المجتمع، وأخيرا محور «الأوضاع العملية والنقابية والمادية والمهنية الواجب توافرها لتسهيل عمل الصحفيين».
بالطبع يعلم القاصى والدانى فى الجماعة الصحفية إلى أين وصلت مهنتنا، وكيف انحدرت أوضاعنا المهنية والمادية، والعلاقات البينية داخل المؤسسات الصحفية التى تتعرض مطبوعاتها وإصداراتها لعمليات حذف ودمج واسعة النطاق، وصلت إلى حد وقف إصدارات مضى عليها ما يقترب من المائة عام «الكواكب نموذجا»، فيما أغلقت الأبواب فى وجه أجيال جديدة للالتحاق بمؤسسات صحفية ترفع شعار «الاستقالة هى الحل».
وفى ظل أوضاع مالية صعبة، اكتفى أحد الزملاء المخضرمين بالرد على البريد الإلكترونى الذى تلقاه حاملا دعوة نقيب الصحفيين لإرسال مقترحاته، بأن أعاد البريد مصحوبا بقيمة راتبه الشهرى من المؤسسة التى يعمل بها من دون أى تعليق، فقد رأى فى راتبه أبلغ التعليقات على ما وصلت إليه الظروف المعيشية القاسية التى تلم بالجماعة الصحفية على اختلاف مؤسساتها وتنوع أجيالها.
طبعا ليس بالخبز وحده يحيا الصحفيون، فسقف الحرية الضامن لممارسة مهنية سليمة «بعافية شوية»، ويحتاج أن يتصدر سلم الأولويات فى أى حوار، بعد أن أغلقت النوافذ أمام الحصول على المعلومة من مصادرها الحقيقية، واستخدامت الوزارات والهيئات مراكز إعلامية، هى أشبه بمكاتب العلاقات العامة التى لا تريد سوى تقديم رؤية واحدة لما يدور، وبما يهدد الصحافة فى صلب رسالتها، ولعل نقيب الصحفيين، وهو رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، يعلم جيدا سلبية الأمر ومضاره.
نريد أن يعود التواصل المباشر بين الصحفى ومصدره، وأن تفتح الميادين والشوارع، ومؤسسات التشريع وصنع القرار، أمام الزملاء المحررين والمصورين بلا حواجز، وأن نتخلص من الاعتماد على البيانات الصماء التى تحمل أحيانا العديد من الأخطاء التى يجد الصحفى نفسه حائرا، هل ينشرها على حالها أم يحذفها؟ بعد تعذر الوصول إلى من يجيبه على مجموعات «واتس آب» وغيرها من المجموعات الإلكترونية التى تكتفى بالبث من اتجاه واحد!
ومن قبل ومن، بعد نريد أن تعود إلينا نقابتنا من غير سواتر أو ستائر، بل ساحة للحوار والجدل والنقاش الحر لما يشغلنا كصحفيين، وما يهم مجتمعنا من قضايا وتحديات.