البنك المركزي وضرورة تطوير منظومة إدارة الاحتياطي النقدي

محمد الهوارى
محمد الهوارى

آخر تحديث: الجمعة 6 يونيو 2025 - 5:55 م بتوقيت القاهرة

لا شك أن العالم اليوم ليس هو نفسه العالم منذ عشرة أعوام. فالأحداث متلاحقة والمتغيرات كثيرة ولعل من أبرز هذه المتغيرات هو تغير معتقدات البنوك المركزية فيما يتعلق بمنظومة إدارة الاحتياطى النقدى. وإذا رجعت بالزمن للوقت الذى بدأت فيه البنوك المركزية تشعر بالحاجة لإعادة النظر فى هذه المنظومة، ففى تقديرى قد بدأ الإحساس بالقلق والحاجة للتغيير وقت إدارة ترامب الأولى والتى تسببت فى بث شعور بعدم الأمان خاصة بالنسبة للأصول بالدولار الأمريكى. 

الأساس فى إدارة أصول النقد الأجنبى كان دائما شراء سندات حكومات الدول المتقدمة، وأهمها سندات الحكومة الأمريكية، وخاصة لمن يفضلون الدولار كعملة رئيسية للاحتياطى، وهو الحال لدى معظم الدول. ومنذ جاء ترامب بأسلوب إدارته الزئبقى فى ولايته الأولى بدأت الدول فى القلق حيث شعرت أن مدخراتها عرضة لتقلبات وهوى حاكم أمريكا. ثم جاءت الطامة الكبرى فى أسلوب إدارة الاحتياطى عندما وضعت الولايات المتحدة أياديها على الاحتياطى الروسى وقت رئاسة بايدن كإحدى العقوبات التى فرضتها نتيجة للحرب فى أوكرانيا. هنا دق ناقوس الخطر وتسارعت وتيرة تغيير مكونات احتياطيات أغلب الدول، خاصة الدول النامية التى تتعرض أحيانا لخلافات فى وجهات النظر السياسية مع الولايات المتحدة. فقد فهمت هذه الدول أن هناك آلية جديدة لا يتوانى الأمريكان عن استخدامها للضغط على خصومهم. حتى فى المناوشات الأخيرة فى الحرب التجارية القائمة لوحت الإدارة الأمريكية عن طريق تسريبات عن إمكانية استخدام السندات الأمريكية كسلاح فى هذه الحرب. ومجرد التهديد حتى إن لم يتم استخدامه كفيل بتحويل مسار مليارات بل وتريليونات على مدار سنوات بعيدًا عن السندات الأمريكية.

وبالفعل كان البنك المركزى المصرى من أوائل البنوك التى تنبهت لهذه المشكلة فبدأ تنويع الاحتياطى مخفضًا من نسبة السندات الأمريكية فيه. ولكن مؤخرًا فوجئت بتقرير عن أن حجم مخزون الذهب فى الاحتياطى المصرى وصل لحوالى ٢٨٪ من حجم الاحتياطى وأنه مع ارتفاع أسعار الذهب ارتفعت قيمة الاحتياطى حوالى مليار دولار. وبينما لجأت بنوك مركزية كثيرة للذهب كأحد أهم أصول الاحتياطى، وما زال هذا التوجه قائمًا ومستمرًا، فتخصيص حوالى ثلث الاحتياطى فى سلعة واحدة يعنى وجود مخاطرة كبيرة. وهذه بالضبط هى المشكلة فالذهب يبقى سلعة، سعرها قابل للزيادة والانخفاض مع متطلبات العرض والطلب. فكما ارتفع سعر الذهب وارتفعت معه قيمة الاحتياطى، فلا يستبعد أن يحدث العكس، فينخفض الذهب ومعه قيمة الاحتياطى. لنا أن نتخيل أن مجرد هبوط سعر الذهب ٢٠٪، وهو ما تكرر كثيرًا تاريخيًا، معناه هبوط قيمة الاحتياطى حوالى ٦٪ فما بالك لو هبط سعره النصف مثلاً وهو أمر وارد الحدوث بكل تأكيد. وهو بذلك يفقد ميزة من أهم مميزات السندات الحكومية والتى لا تفقد قيمتها مع الوقت، خاصة إذا كنا نتحدث عن سندات الدول المتقدمة.

فى تقديرى أن البنك المركزى يحتاج إلى أن يعيد النظر فى منظومة إدارة الاحتياطى بتمعن أكثر وأن يستعين بمحترفين لإعادة هيكلة المحفظة. مبدئيًا أرى أننا إذا أبقينا على نسبة الذهب الحالية فى الاحتياطى فسنحتاج إلى أن نقوم بتحوط طويل الأمد على سعره أو أن ننوع المحفظة أكثر من ذلك بعيدًا عن الذهب. الخيارات كثيرة فالبنك المركزى السويسرى مثلاً يستثمر فى كبرى الشركات العالمية بما فيها الأمريكية فهى بالفعل أصبحت أكبر من أن تفشل وتوازى أمان السندات الحكومية على المدى الطويل بالرغم من إمكانية تذبذب أسعارها على المدى القصير. وإذا كان ولابد تخزين الاحتياطى فى أصول مشابهة للذهب ففى تقديرى أنه من الممكن اللجوء إلى أصول أخرى لها خصائص مشابهة للذهب، مثل الأعمال الفنية النادرة التى حتى وإن كانت أصعب فى التسييل فمن الممكن استخدامها بسهولة لخلق سيولة مؤقتة إذا احتجنا بل وتتفوق على الذهب فى أنها قلما تفقد جزءًا من قيمتها. وعلى أى حال فتحويل مثلاً ١٠٪ من محفظة الاحتياطى لها لن يمثل عبئًا على مستوى السيولة. وهناك أفكار أخرى كثيرة فأرجو أن يتنبه البنك المركزى ويدير مخاطر تركيز المحفظة القائم حاليًا بمزيد من المرونة والحكمة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved