قراءة داروين بالعربية 1860 - 1950.. كتاب مثير
محمد أبو الغار
آخر تحديث:
الجمعة 6 يونيو 2025 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
- نشر داروين كتابه ١٨٥٩ وفى سيرته الذاتية كتب أن “النشوء والارتقاء” انتشر فى العالم كله وترجم إلى جميع لغات العالم وأحدث دويًا هائلًا.. ولكن ماذا قال قراء اللغة العربية؟
- أول مرة نشر اسم داروين بالعربية كان فى مجلة «المقتطف» عام ١٨٧٦ وأثار جدلًا كبيرًا ورفضه الكثير من المثقفين
- يقول المؤلف إن شبلى شميل هو أول من قدم النظرية لقارئى العربية بأن لخص الفلسفة المادية الألمانية والفرنسية والإنجليزية مع الفلسفة العربية القديمة من ابن عربى وعلاء المعرى
- لا يوجد فى الكتاب ذكر للدين وإنما هو نص علمى ولذا تقبل عدد من الكتاب الكاثوليك والبروتوستانت الكتاب وكان أيضا انطباع القراء الأوائل من المسلمين.. وكتابات ابن رشد فيها إشارة لذلك والمعتزلة وإخوان الصفا وابن خلدون.. وفارس نمر أكد أن القراء فى رسائلهم إلى «المقتطف» كانوا منبهرين
- كتبت كل من «المقتطف» و«الهلال» الشهرية عن الأعراق والأجناس بعنصرية واضحة تتفق مع وجهة النظر البريطانية وذلك بعد انتشار الترجمة العربية لكتاب سر التقدم الأنجلوساكسونى لمؤلفه ديمولينز بترجمة فتحى زغلول شقيق الزعيم سعد زغلول
صدر هذا الكتاب المهم بالإنجليزية عن جامعة شيكاجو بقلم مروة الشاكرى. تتحدث المؤلفة عن الأكاديمى وايت الرئيس الأسبق لجامعة كورنيل والذى كتب عن المشاكل التى تحدث بين الدين والعلم، ومنها نظرية النشوء والارتقاء للعالم تشارلز داروين. كتب الكثيرون فى الغرب عن نظرية داروين ومدى تقبلها من عموم الناس والمشاكل التى حدثت بين الدين المسيحى ونظرية داروين. قابل السيد وايت الأستاذ فارس نمر السورى الأصل والأستاذ السابق فى الجامعة البروتستانتية فى بيروت قبل أن تصبح الجامعة الأمريكية، والذى هاجر إلى مصر وقدم للصحافة المصرية جريدة «المقطم» اليومية، ومجلة «اللطائف»، وكذلك مجلة «المقتطف» الشهرية وهى المجلة المهتمة بالعلوم والأولى من نوعها بالعربية. وكانت مجلة لها توزيع متميز، وتمت مناقشة نظرية داروين فى سجال فتح جميع الأفكار المتضاربة. وكان وايت يجيد العربية وسعد جدًا بالنقاش الذى دار حول نظرية داروين وكان ذلك عام ١٨٩٦. وحدثت نقاشات حول النظرية ومقارنتها مع أفكار كتاب قدامى مثل الجاحظ وابن سينا.

نشر داروين كتابه ١٨٥٩ وفى سيرته الذاتية كتب أن النشوء والارتقاء انتشر فى العالم كله وترجم إلى جميع لغات العالم، وأحدث دويًا هائلًا. ولكن ماذا قال قراء اللغة العربية؟.
لا يوجد فى الكتاب ذكر للدين وإنما هو نص علمى ولذا تقبل عدد من الكتاب الكاثوليك والبروتوستانت الكتاب، وكان هذا هو انطباع القراء الأوائل من المسلمين، الذين كتب أجدادهم بالعربية والأردو والفارسية فى أزمنة قديمة أن الحيوان درجة أدنى وغير متطورة من الإنسان. وكتابات ابن رشد فيها إشارة لذلك وكذلك المعتزلة وإخوان الصفا وابن خلدون. ويقول الأستاذ فارس نمر إن القراء فى رسائلهم إلى «المقتطف» كانوا منبهرين بالحديث عن أن أفكار داروين وإثباتاته التى تتمشى مع أفكار لمفكرين قدامى من الشرق. ويذكر بحث الشيخ محمد عبده الذى ينفى أن الدين الإسلامى يعوق التقدم، ويتفق مع المفكر المسيحى فرح أنطون بذلك. ويقول أن الترجمة إلى العربية كانت عاملا أساسيا فى نقل المعرفة فى بداية النهضة ويذكر رفاعة الطهطاوى فى الفترة المبكرة.
كتب رفاعة الطهطاوى قبل داروين بأن العلم والعلماء فى فرنسا يقصد بهم من يفهم فى العلوم الطبيعية مثل الكيمياء والطبيعة والبيولوجيا وغيرها، بينما فى مصر يقصد بها علوم الدين، وقد تم تغيير هذا المفهوم عندما تطور تعليم التكنولوجيا فى مصر وأدخلت كلمة التطور فى اللغة العربية لتلائم التعريف بالنظرية الجديدة.
داروين فى القاهرة
صدرت مجلة «المقتطف» فى بيروت لصاحبيها النمر وصروف عام ١٨٧٦ وكانت أول مجلة علمية تتحدث عن المستقبل. وانتقل نمر وصروف من بيروت إلى القاهرة عام ١٨٨٤ وقاما بإنشاء مطبعة لطبع الكتب والصحف باللغة العربية والإنجليزية. واتصل اللورد كرومر بنمر وساعده فى إصدار صحيفة يومية «المقطم» بالعربية مؤيدة للإنجليز على طول الخط وساعدها كرومر بالإعلانات والاشتراكات وطباعة مطبوعات السفارة وزاد توزيع «المقتطف» المجلة العلمية أيضًأ التى استمرت حتى ١٩٥٢.
زاد الاهتمام فى هذه الفترة بهربرت سبنسر فى العالم كله وهو الفيلسوف الباحث فى علم الأحياء والمفكر وصاحب نظرية البقاء للأقوى والأصلح. وطبقها على نظرية داروين واهتمت «المقتطف» به وعن تصوره عن طرق تغيير المجتمع وكتب سلامة موسى فى مذكراته أن مجلة «المقتطف» تعتبر أهم مصدر للفكر الحديث عرف قراء العربية عن داروين وسبنسر.
وكتبت «المقتطف» عن المسألة المصرية وسقوط الإمبراطورية العثمانية ولكن من وجهة نظر متحيزة لبريطانيا ونظرية النشوء والارتقاء. وكتبت كل من «المقتطف» و«الهلال» الشهرية عن الأعراق والأجناس بعنصرية واضحة تتفق مع وجهة النظر البريطانية وذلك بعد انتشار الترجمة العربية لكتاب سر التقدم الأنجلوساكسونى لمؤلفه ديمولينز والذى ترجمه فتحى زغلول شقيق الزعيم سعد زغلول. ويقول المؤلف إن التقدم يعتمد على العائلة والتعليم والصورة القومية الوطنية للمواطن الإنجليزى، وهذه الصفات التى جعلتهم يتفوقون على الجميع. وأن نجاح الإمبراطورية البريطانية كان راجعا لمؤسساتها التى تتمتع بروح الحضارة. وأن الوازع الأخلاقى استخدم فى الصناعة والتجارة والسياسة والنجاح الحربى وأن ذلك بسبب نجاح الفرد البريطانى فى مواجهة صعوبات الحياة بينما المصريون يفتقدون إلى الكرامة وعندهم روح العبودية ولا يعتمدون على أنفسهم وكتب فتحى زغلول أنه ترجم الكتاب حتى يعرف أبناء وطنه أن عليهم أن يتعلموا كيف يعتمدون على أنفسهم وأن يفكروا ويأخذوا قراراتهم بطريقة علمية بعيدة عن المشاعر. وطلب رؤساء تحرير «المقتطف» من المصريين بعد أن نشروا ترجمة فتحى زغلول أن لا يغضبوا كالمرأة العجوز الوحيدة وعليهم أن يقوموا بتحليل الموقف وأن يمسكوا بأسباب الحضارة ويصعدوا بتنفيذ قواعدها. نشرت "المقطم" الكتاب على حلقات وقد مدح الكتاب أحمد لطفى السيد المفكر المصرى الكبير قائلًا علينا أن نتعلم التفكير العلمى وأن نعمل بطريقة علمية وهذا الكتاب يعلمنا ذلك. وواضح حجم العنصرية الرهيب فى الكتاب والخنوع وأول مرة نشر اسم داروين بالعربية كان فى مجلة «المقتطف» عام ١٨٧٦ وأثار جدلًا كبيرًا ورفضها الكثير من المثقفين، وقال كيف إن أصل الإنسان البهائم واسترجع التفسير الدينى لخلق الإنسان.
وقد أصبح اسم داروين على كل لسان من المثقفين بسبب مقالات «المقتطف». هذا الانتشار الهائل ليس سببه فقط تقدم تكنولوجيا الطباعة وانتشار التعليم، بل الموضوع نفسه وأهمية الفكرة. وبعد أن ترجم شبلى شميل محاضرات أستاذ ألمانى عن نظرية التطور تخيل التطور الذى سوف يحدث فى نظم التعليم والمناهج الدراسية الذى سوف ينتشر فى الشرق الأوسط.
فى الفترة التى دار فيها النقاش حول نظرية داروين كانت الأمية فى مصر ٩٤.٥٪ و٨٠٪ فى القاهرة والإسكندرية مقارنة بانجلترا التى كانت ٥٪.
وقد أرسل أمين شميل عام ١٨٨٥ خطابًا للمقتطف يدعى أن نظرية داروين كانت معروفة عند العرب والهنود وأجابت المجلة بأن النظرية حديثة ولم يسبق أن ذكرها أحد.
وظهرت مجموعة من الأبحاث على الجماجم البشرية والبحوث الأحفورية ولكن المقتطف فى عام ١٨٧٩ نشرت أنه لا يوجد إثبات كاف لنظرية داروين. وفى ١٨٨٢ نشرت المقتطف نعيًا للعالم داروين، وكتب صروف ونمر أصحاب المجلة أنهما يؤيدان نظرية داروين.
النظرية المادية
يقول المؤلف أن شبلى شميل هو أول من قدم النظرية لقارئى العربية بأن لخص الفلسفة المادية الألمانية والفرنسية والإنجليزية مع الفلسفة العربية القديمة من ابن عربى وعلاء المعري. وبدأ الجدل مبكرًا حول الفلسفة واتسع عام ١٨٨٦ بدخول جمال الدين الأفغانى إلى حلبة النقاش. تمت ترجمة كتاب قديم له كان باللغة الأردية حين كان يعيش فى الهند وأشرف على الترجمة الشيخ محمد عبده فى بيروت وأشارت ترجمة شميل لكتاب داروين عن الفلاسفة الألمان إلى الكثير من الجدل الذى بدأ فى مجلة «المقتطف» عن بداية الحياة والحوار الدائر فى أوروبا حولها. كان شبلى شميل هو النجم الذى درس الطب والفلسفة الألمانية فى اسطنبول ثم فى لندن وعاد إلى مصر وفتح عيادة فى طنطا ثم الإسكندرية وكانت شهيرة جدًا وبها عدد هائل من المرضى ثم انتقل إلى القاهرة وكان يكتب فى «المقتطف» عن المادية وعن داروين وقام بتأليف عدد من الكتب. وفى عام ١٩١٤ أنشأ مع الشاب سلامة موسى مجلة المستقبل التى أغلقتها السلطات البريطانية لأنها كانت تحفز المصريين وتدعوهم للاستقلال وتوفى شميل عام ١٩١٧.
ويلخص الكتاب أعمالا هامة كتبها شميل عن التاريخ الطبيعى للأديان. وشرح بالتفصيل نظرية داروين والإثباتات العلمية لها وفى هذه الفترة أصبح شميل نجمًا معروفًا بأنه كاتب راديكالى مثقف وكان على علاقة بالمثقفين من جميع التيارات فكان عضوًا فى صالون مى زيادة وصديقًا للشيخ محمد رشيد رضا أستاذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين.