بنت 17

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 6 يونيو 2025 - 5:55 م بتوقيت القاهرة

عندما شاهدت فيلم (بنت 17) إخراج كمال عطية عام 1957 كنت فى سن الثامنة، ولم أستعب قط ما شاهدته فى الفيلم من تحولات أنثوية وحيوية أصابت الفتاة صفاء التى دخلت الجامعة، وصارت فى كلية الحقوق وهى تعيش مع أبيها المقاول الذى لم يشأ  أن يتزوج حفاظا على ابنته من زوجة الأب، وهناك فرق بين عقليتى وأنا أرى الفيلم للمرة الأولى ثم بين حالى اليوم وأنا أتابع ما حدث لطفل صغير فى محافظة البحيرة عصفت بذكورته أحداث مؤلمة جعلتنى أفهم الكثير من الأشياء كانت تحدث حولى طوال تلك السنوات الطويلة ولا أفهمها، لقد تغير العالم من حولنا، وبدا أشبه بصفاء وقد فقدت عذريتها فى أحداث اليوم، وتمنيت لو أن الزمن لم يتحرك بى، فما أجملك يا صفاء (زبيدة ثروت) وأنتِ تقفين أمام محل أحذية، ويعجبكِ أول كعب عالٍ فى حياتك، لتشتريه وتسيرين فوق الرصيف مختاله بتلك التغيرات التى حدثت لكِ، كما أنها، أى صفاء، كانت بالغة السعادة وهى تجلس أمام المرآة تضع المكياج الخفيف على وجهها، بعد أن مشطت شعرها حسبما تفعل بنات فى مثل سنها، إنه التغير الطبيعى فى حياة كل إنسان، ولد أو بنت، كما أذكر أن ابنتى الوحيدة قد هنأتها فى الهاتف فى عيد ميلادها الثامن عشر لأنها بلغت هذه السن دون أن تحدث من حولها أى مشاكل تعيش فيها عادة أى بنت مراهقة، وبصرف النظر عن حدوتة الفيلم وبه كثير من القصص المتناقضة فإن أكثر ما التصق بالذاكرة هو تلك المشاهد العبقرية التى مرت بها الفتاة كى تدرك أخيرًا أنها صارت أنثى أكبر سنًا، إنها طالبة جامعية، وإن ذلك مفتاح لتقع فى حب زميل لها فى الجامعة، وحسب تطور الحدوتة فالأب سوف يقف ضد هذه المشاعر والسبب أن أم الشاب تدير بيتها للقمار وقد يؤثر هذا على سلوك ابنها.

السيناريو العبقرى الذى كتبه حسين حلمى المهندس، وضع قصة موازية فى نفس البيت الذى تسكن به صفاء، هذه قصة مختلفة تماما عن الحدوتة الشفافة لصفاء؛ حيث إن لصديقتها المقربة زوجة أب تصعد إلى السطح وتقيم علاقة فحشاء مع طالب جامعى آخر، صحيح أن والد الفتاة يكبر زوجته فى السن لكن أقصى ما فى الإخراج هو اختيار اثنين من الممثلين الكوميديين لأداء دورى المرأة والرجل اللذين يخونان الزوج العجوز.

هذا فيلم قد لا يثبت كثيرا فى ذاكرتك، ولكنه يصور وجهى العملة لبشر مقبلين على الحياة برومانسية يحسدان عليها، وبين ثنائى يمارس الخيانة بكل أشكالها، صحيح أن الزوج العجوز سوف يكتشف حقيقة العلاقة ويطلق امرأته ولكن لا أعتقد أن الجانب الطفولى فى داخلنا يمكنه أن ينسى  التناقض الهائل بين تلك العلاقات، كما أنه من الصعب جدا على نفس العقلية أن تتقبل ما قرأناه طوال الأيام الماضية عن التفاصيل الدقيقة جدا لما حدث فى البحيرة، هذه التفاصيل حدثت فى الواقع فى مكان ضيق مغلق وللحظات عابرة لكنها ظلت، وسط الظل لفترة طويلة جدا مسار حديث وشرخ لأشياء بريئة فى أعماقنا ولا يمكن لها أن تندمل مهما كانت خيوط الجراحة متقنة.

هذا واحد من الأفلام الأولى التى شعت عينا زبيدة ثروت على الناس برقتها الملحوظة، ومن هذه الأفلام التى أنصح بمشاهدتها الملاك الصغير عاشق الحب، شمس الغروب، وبالطبع يوم من عمرى الذى كان أمام عبدالحليم حافظ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved