حظر النقاب فى المجتمعات الغربية
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 6 أغسطس 2018 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مجلة ذى أتلانتك الأمريكية مقالا للكاتبة «سجال صامويل» عن إقرار الحكومة الدنماركية قانون «حظر النقاب فى الأماكن العامة» مما أدى إلى اندلاع احتجاجات للعديد من المسلمات وغير المسلمات تنديدا بهذا القانون. الدنمارك ليست الدولة الوحيدة التى فرضت مثل هذا القانون، فلقد سبقتها فرنسا وبلجيكا والنمسا ومقاطعة كيبيك بكندا بفرض قيود على ارتداء الحجاب والنقاب فى الأماكن العامة.
استهلت الكاتبة حديثها بالإشارة إلى وجهة نظر السياسيين فى قانون «حظر النقاب»، فيرون أن نسبة قليلة من النساء المسلمات من يرتدين النقاب، ومن ثم هذا القانون سيشجع على الاندماج والسلامة العامة فضلا عن أن ارتداء النقاب لا يتفق مع القيم الوطنية مثل المساواة بين الجنسين.
وردا على إصدار هذا القانون، اندلعت الاحتجاجات فى الشوارع (مسلمات وغير مسلمات)، كما ارتدت بعض من المحتجات النقاب تنديدا بتطبيق هذا القانون. وبمرور الوقت، أشارت بعض التقارير إلى أن التمييز ضد المسلمين يتصاعد فى البلاد، مما يجعل العديد من النساء المسلمات يتمسكن بشكل أكبر بهويتهن الدينية.
إذا كان هدف القانون هو تعزيز المساواة بين الجنسين، يبدو أنه يأتى بنتائج عكسية. ومع ذلك، وبعد بضعة أشهر، تقوم دولة أخرى بسن قانون يحظر ارتداء النقاب أو الحجاب، وتتكرر الأحداث مرة أخرى.
قبل تسع سنوات، كان حزب الشعب الدنماركى اليمينى أول من دعا إلى فرض حظر على ارتداء النقاب فى الأماكن العامة، ولقى دعما من قبل أطياف سياسية أخرى. ففى الآونة الأخيرة، قال المسئول بالحزب الليبرالى الحاكم «ماركوس كنوث»: «إن النقاب الذى ترتديه النساء المسلمات المحافظات «جائر للغاية». وفى سياق متصل أوضح وزير العدل الدنماركى «سورين بيب بولسن» أن ارتداء النقاب يتنافى مع قيم المجتمع الدنماركى.
تحدثت الكاتبة لإحدى المسلمات المنتقبات، التى تعيش فى كوبنهاجن وتبلغ من العمر 15 عاما، أعربت الفتاة عن قلقها من أن يؤدى القانون إلى عزل النساء المنتقبات فى المنازل، تجنبا لدفع غرامة قدرها 150 دولارا للمخالفة لأول مرة.
وأضافت «أننى وغيرى من المسلمات نرفض خلع النقاب لأنه جزء من هويتى الدينية، أما الآن فلقد أصبح النقاب علامة على الاحتجاج، وأعتقد أنه عندما يقوم السياسيون بوضع مثل هذه القوانين التمييزية، فإننا سنصبح أقوى. ونشعر أن هذا القانون جعلنا أكثر جدية وشجاعة وقوة».
****
إذا كانت تجارب دول مثل فرنسا ومقاطعة الكيبيك الكندية والنمسا مؤشرا جيدا، فإنه من المرجح أن قانون الحظر الدنماركى سيكون له نتائج عكسية.
فمن الجدير بالذكر أن فرنسا قامت بحظر ارتداء الحجاب ومنع عرض أى رموز دينية فى المدارس الحكومية وذلك فى عام 2004، كما حظرت فى عام 2010 ارتداء النقاب. ولقد صرح الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى آنذاك: «بأنها مسألة حرية وكرامة المرأة، إن النقاب ليس رمزا دينيا، بل رمزا لاستعباد المرأة». فبدلا من الالتزام بهذه القوانين، بدأت بعض النساء المسلمات فى التعبير عن استيائهن من المجتمع الفرنسى، وضاعفن من ارتداء الحجاب كنوع من الاحتجاج السياسى.
وأظهرت الدراسات الاستقصائية عن المواقف تجاه المسلمين الفرنسيين وجود علاقة قوية بين تشريع حظر ارتداء الحجاب فى عام 2004 وزيادة المشاعر المعادية للمسلمين. ففى عام 2013، اعتدى رجلان على امرأة حامل فى إحدى ضواحى باريس لكونها محجبة. ويشير تقرير آخر فى ذلك العام إلى أن العديد من النساء المسلمات يبقين فى المنزل لعدم شعورهن بالأمان وتعرضن للكثير من المضايقات من قبل المتعصبين خاصة بعد إصدار قانون حظر ارتداء الحجاب والنقاب».
وفى السياق ذاته، أصدر برلمان مقاطعة كيبيك الكندية حظرا مشابها. ففى عام 2013، نص «ميثاق القيم» على حظر الرموز الدينية مثل الحجاب والنقاب والعمامة والجبة بين العاملين مؤكدا أن مثل هذا القرار سيعزز المساواة بين الجنسين. وكرد فعل على هذا الميثاق احتج العديد من المسلمين فى الشوارع، وانضم إليهم الآلاف من غير المسلمين، مع ارتداء بعضهم الحجاب لإظهار تضامنهم. لم يدخل الميثاق حيز التنفيذ، ولكن فى أكتوبر الماضى صدر قانون يمنع من يطلب خدمة عامة أو يوفرها من تغطية وجهه، فى إجراء يستهدف تحديدا حظر ارتداء النقاب فى الإدارات والخدمات العامة، غير أن هذا القانون ــ أيضا تم الطعن علية وعلق تشريعه ريثما تتم المراجعة القضائية. وفى يونيو من هذا العام، قام أحد القضاة بتعليقه للمرة الثانية. على الرغم من أن هذا الجزء من القانون لم يدخل حيز النفاذ بعد، إلا أن مجموعات من النساء قد أبلغت عن زيادة الاشتباكات اللفظية والجسدية ضد النساء المسلمات المحجبات.
**
يقول المحللون إن الشعبويين هم أحد الداعمين الأساسيين لهذا القانون فى الدنمارك. فذكر ستيج هجارفارد، الأستاذ الجامعى بجامعة كوبنهاجن، والذى يقوم بدراسة دور الدين فى المجتمعات الاسكندنافية أن: «المحافظين، والحزب الليبرالى، والديموقراطيين الاجتماعيين، وكذلك الشعبويين المناهضون للمهاجرين وللمسلمين دعموا هذا القانون».
وأضاف هجارفارد: «أن الرأى العام فى البلاد تغير منذ سنوات، فالأغلبية تعرب عن قلقها من الإسلام باعتباره تهديدا للثقافة الدنماركية. وأن الدنمارك بلد صغير للغاية، ولكنه شارك بشكل كبير فى الحروب فى أفغانستان والعراق. لذا فإن الحرب الشاملة على الإرهاب والأمور المتعلقة بالإسلام قد تم دفعها على رأس جدول الأعمال فى الدنمارك».
واستطرد : «فى الآونة الأخيرة اعتمد السياسيون اليمينيون فى الدنمارك بشكل كبير على سياسة الهوية كأسلوب للحصول على مكاسب سياسية، ويجب أن ينظر إلى قانون حظر الحجاب فى سياق التحركات الأخيرة الأخرى». ففى مايو الماضى، أقرت الحكومة قانونا يجبر الأفراد الذين يعيشون فى المناطق التى تطلق عليها لفظ «الغيتو» ــ وهم مهاجرون من دول إسلامية ــ بأن يتم تنشئة أطفالهم على «القيم الدنماركية». وفى الشهر نفسه، قال وزير الهجرة إنجر ستوبيرج: «إنه يجب على المسلمين البقاء فى منازلهم خلال شهر رمضان، لتجنب العواقب السلبية الناتجة عن هذا الفعل، كما قال إن الأفراد الذين يعملون أثناء الصيام يمثلون خطورة على العمل».
قالت أنييس دى فيو ــ عالمة الاجتماع التى قضت 10 سنوات فى دراسة ممارسات الحجاب فى أوروبا «إن الحظر قد يكون له عواقب وخيمة وأوضحت عبر رسالة بالبريد الالكترونى أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تخلق التمييز والتهميش الذاتى»، كما انتقدت جماعات حقوق الإنسان هذا القانون وقالت فوتيس فيليبو ــ نائبة مدير منظمة العفو الدولية فى أوروبا ــ «إن هذا الحظر الشامل ليس ضروريا أو متناسبا وينتهك حقوق المرأة فى الحرية الدينية وحرية التعبير.
وتختتم الكاتبة حديثها قائلة إنه: على الرغم من مثل هذه التصريحات، وعلى الرغم من الآثار السلبية التى قد تترتب على مثل هذا القانون على المسلمين، إلا أنه من غير المحتمل أن يُلغى القانون الجديد فى الدنمارك. فلقد أيدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مثل هذه القوانين، أيدت فرنسا فى عام 2014 وبلجيكا فى عام 2017، واختارت أن تمنح كل بلد الحق فى تحديد ما يلزم القيام به لضمان السلامة العامة والتماسك الاجتماعى.
إعداد: زينب حسنى عز الدين
النص الأصلى: