هل توجد ضوابط للدور السياسى لعائلة رئيس الدولة؟
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الإثنين 6 سبتمبر 2010 - 10:16 ص
بتوقيت القاهرة
سأل بعض الصحفيين الأمريكيين السفير سليمان عواد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية فى المؤتمر الصحفى الذى عقده أثناء زيارة الرئيس حسنى مبارك لواشنطن للمشاركة فى افتتاح المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية عن أسباب وجود نجل الرئيس جمال مبارك مع رئيس مصر فى واشنطن، وقد أجاب المتحدث الرسمى بأن جمال مبارك لن يحضر أى اجتماعات، وأنه موجود فى واشنطن كابن بار بوالده.
الأسباب التى دعت الصحفيين الأمريكيين إلى طرح هذا السؤال هو أن السيد جمال مبارك لا يشغل منصبا رسميا فى الحكومة المصرية، ولذلك يكون من المهم من وجهة نظرهم معرفة أسباب وجوده فى مناسبة يفترض أن يقتصر حضورها على المسئولين الحكوميين وحدهم، ولا شك أن هؤلاء الصحفيين الأمريكيين لديهم تصورهم عن حدود الدور السياسى الذى من المقبول أن يقوم به أفراد عائلة رئيس الدولة، ولكن لا يوجد تصور مصرى واضح حول هذه المسألة، ونظرا لأن مصر مقبلة خلال المستقبل القريب على انتخابات تشريعية ورئاسية، يتحدث بعض المهتمين بها عن ضرورة التغيير، بينما يتحدث آخرون عن ضرورة التجديد، لذلك فمن المفيد أن يكون هناك نقاش واسع حول هذه المسألة.
والأسباب التى تدعو إلى طرح هذه المسألة للنقاش العام عديدة، أولها خطورة الدور الذى يمكن أن يقوم به أفراد أسرة رئيس الدولة. بطبيعة الحال لا توجد قيود ولا ضوابط على هذا الدور فى نظم الملكيات المطلقة والنظم الديكتاتورية.
أمراء الأسر المالكة فى الوطن العربى هم كبار قادة الحكومة وهم متنفذون فى جميع المجالات، كما عرفت النظم الديكتاتورية فى الوطن العربى وخارجه وجود أفراد أسرة الرئيس على قمة جهاز السلطة أو وراءه إن لم يتولوا مناصب رسمية، ومعظم النظم الجمهورية فى الوطن العربى هى نظم عائلية، وخارج الوطن العربى ظهرت نفس هذه الممارسات فى دول مثل الفليبين فى ظل حكم رئيسها الأسبق ماركوس، وفى كوريا الشمالية حتى الآن..
التجربة المصرية
ولاشك أن الدور السياسى الذى يقوم به أفراد أسرة رئيس الدولة فى مصر قد اتسع كثيرا فى ظل حكم الرئيس حسنى مبارك بالمقارنة بسابقيه. لم يتول أفراد أسرة الرئيس جمال عبدالناصر مناصب مهمة لا فى الدولة ولا فى التنظيمات السياسية القائمة فى عهده. الدكتورة هدى عبدالناصر الكريمة الكبرى للرئيس الراحل عملت لفترة برئاسة الجمهورية، ولكن ربما كانت مهمتها بحثية محضة، ولم تكن تشارك فى أى اجتماعات حكومية أو سياسية، والسيدة الفاضلة الراحلة تحية كاظم زوجة الرئيس اقتصر دورها على السفر معه فى زيارات لبعض الدول التى كانت تربطه بقادتها علاقات صداقة، وكان فى مقدمتهم تيتو رئيس يوغوسلافيا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الثمانينيات، كما اشتركت فى لقاء رؤساء الدول الأجنبية فى مصر عندما كانوا يحضرون ومعهم زوجاتهم، وأحد أشقاء الرئيس تولى منصبا قياديا فى تنظيم الاتحاد الاشتراكى فى مدينة الإسكندرية، ولم يبق فيه طويلا، فقد عزله الرئيس لما أشيع عنه من ممارسات تتضمن استغلالا للنفوذ، وقد خرجت السيدة جيهان السادات عن الدور التقليدى الذى التزمت به قرينة الرئيس جمال عبدالناصر، ولكن جهدها الرئيسى اقتصر على الأنشطة الخيرية من خلال جمعية الوفاء والأمل، وكانت لها صلاتها الاجتماعية بكثيرين من المثقفين، وكانت موضع قبول واسع منهم، ولكن دورها السياسى اقتصر أحيانا على توجيه النصح لزوجها، الذى كان لا يستمع له بالضرورة.
واستمر هذا الدور فى التوسع تدريجيا فى ظل حكم الرئيس حسنى مبارك، بل أصبح أكثر تنوعا، فشقيق الرئيس سامى مبارك كان عضوا بارزا بحزب الوفد المعارض ونائبا فى مجلس الشعب عن هذا الحزب، والسيدة سوزان مبارك تتولى رئاسة المجلس القومى للمرأة، فضلا عن جمعية الهلال الأحمر فى مصر، ولها اهتمامات واسعة بنشر عادة القراءة وبالرعاية الصحية، ولها حضور بارز فى العديد من الأنشطة الخيرية والاجتماعية والثقافية فى مصر وخارجها، كما تجلس فى الصفوف الأولى فى مؤتمرات الحزب الوطنى عندما يكون الرئيس موجودا لإلقاء كلمة الافتتاح أو الختام، ولكن الجديد بالنسبة لما تقوم به هو حضور العديد من الوزراء لاجتماعات تعقدها وسماعهم لنصائحها فى أمور تتعلق باختصاصات وزاراتهم.
وهذا الدور العلنى الذى تقوم به هو نموذج طيب للمرأة المصرية المهتمة بالعمل العام. ثم هناك نجل الرئيس جمال مبارك، وقد أصبح أمينا للسياسات فى الحزب الوطنى الحاكم، وهو أول من تولى هذا المنصب، كما أنه الأمين العام المساعد للحزب، وهو يرأس العديد من الوزراء فى اجتماعات لجنة السياسات، الذين يقدمون تقارير لهذه اللجنة، وينطبق نفس الأمر على رئيس الوزراء نفسه، كما يقوم بجولات فى الأقاليم يصحبه فيها بعض الوزراء، وكثيرا ما نشرت الصحف صورته وهو يحضر اجتماعات وزارية، خصوصا المتعلقة برسم السياسة الاقتصادية، ويصدر عنه كثير من التصريحات.
هل هناك حاجة لضوابط؟
ومن الناحية النظرية، فإن أعضاء أسرة رئيس الدولة لهم مكانة حساسة فى النظام السياسى، ومرة أخرى باستبعاد الملكيات المطلقة والنظم الديكتاتورية لابد من أن تكون هناك ضوابط لهذا الدور، وهو ما تتبعه الدول العريقة فى الديمقراطية، فبحكم القرب من رئيس الدولة، يمكن لأعضاء أسرته أن يؤثروا على قراراته، ويمكن أن يستخدموا صلتهم به فى التأثير على قرارات أجهزة الحكومة المختلفة، ويمكن أيضا أن يتحولوا إلى مراكز قوة تؤثر على توجهات نظام الحكم فى جميع المجالات، ويمكن أن يستفيدوا من قربهم من الرئيس، وعلاقاتهم غير الرسمية بقادة الدولة. وإذا كان من الممكن مساءلة رئيس الدولة عما يقوم به، فإنه لا يمكن مساءلة أعضاء أسرته لأنهم لا يتولون مناصب رسمية، ونفوذهم يمر عبر قنوات غير معروفة.
ولذلك يندر فى الدول العريقة فى ديمقراطيتها أن يكون هناك هذا الدور السياسى لأفراد عائلة رئيس الدولة إلا فى حالات مثل الهند والأرجنتين مؤخرا عندما يخوضون غمار الحياة الحزبية وفقا لقوانينها، وليس اعتمادا على سلطة رئيس الدولة أو الحكومة الذى ينتمون إليه بصلة القرابة، بعبارة أخرى هم يخوضون فى هذه الحالة معركة المنافسة الحزبية بكل مخاطرها واحتمالاتها فى مؤسسات مستقلة عن الحكومة، ويمكن لهم أن ينجحوا، ويمكن أيضا أن يفشلوا ويقلعوا عن ممارسة السياسة كما تكشف عن ذلك تجربة سونيا غاندى فى الهند.
وخلافا لذلك يمكن لهم أن يقوموا بدور مهم فى الحياة العامة من خلال مؤسسات المجتمع المدنى، وبالانخراط عادة فى أنشطة خيرية، أو فى مؤسسات تعليمية أو صحية، وعليهم أن يكشفوا عن مصادر ثرواتهم وأسباب التغير فيها، ويظل المجتمع السياسى يقظا لأى محاولة من جانب أى منهم لبناء رأسمال سياسى بالاستفادة من القرب من رئيس الدولة، كما أوضحت ذلك المقاومة الفعالة والناجحة لسعى ابن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى للترشح لمنصب العمدة المنتخب فى إحدى ضواحى مدينة باريس، مما أجبره على التخلى عن هذا الطموح.
المثير فى الأمر أن الدساتير الجمهورية فى مصر تضع ضوابط على النشاط الاقتصادى لرئيس الدولة والوزراء وأعضاء مجلسى الشعب والشورى، أيا كانت فاعلية هذه الضوابط، ولكنها لا تطرح أى ضوابط للنشاط السياسى لأفراد أسرهم. أليس من الجدير أن نفكر فى إدخال هذه الضوابط الآن، وفريق من المنخرطين فى العمل السياسى يتحدث عن التجديد، وفريق آخر يتحدث عن التغيير.