طلاق سعاد هانم
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
أعترف أننى أشاهد الأفلام وأنا فى حالة وسوسة باحثا عن المصادر الأجنبية لكل فيلم أراه وأكتب عن، ولعل القارئ الذى يتابع ما أكتب هنا يعرف ذلك، وربما يتصور أن هذا سمة لضيق أفق الناقد وهو يكتب عن الفيلم، وللأسف فإننى أرى أن المقارنة شىء مفيد للغاية لمعرفة المسافة بين الأصل والصورة، فغالبا ما يكون الأصل واضحا أما الصورة فهى باهتة، وفى أغلب الأحيان فإن المقتبس المصرى يضيف من خياله بعض التفاصيل من أجل ما يسمى بالتمصير، وطوال سنوات المشاهدة كنت واثقا أن الأفلام المصرية التى تتحدث عن موضوع (المحلل) هى أفلام مصرية تماما لأن هذا الموضوع غير موجود عند الأجانب، أن يقوم الزوج (الحلاف) بإطلاق كلمة الطلاق على زوجته لأسباب متعددة وسوف يجد نفسه مهددا بفقدان زوجته، وأنه حسب الشريعة الإسلامية فعلى هذه الزوجة أن تتزوج رجلا آخر، يجامعها كما كان يفعل هو ولا يجب أن تعود إليه، إلا إذا تم طلاقها من هذا الآخر وهكذا تدور الحكايات، تبدو قصص الأفلام المصرية فى هذا الشأن بالغة السذاجة غير عارفة بتفاصيل الشريعة التى تستوجب أن الزواج البديل يجب أن يحدث بعد عدة أشهر لعدم حدوث الحمل، ثم يتكرر الفعل بأن تظل بدون زواج بعد أن يتم طلاقها من المحلل حفظا للأنساب، لكن من بين الأفلام المصرية الكثيرة التى اهتمت بموضوع المحلل فإن الزوجة يجب أن تتزوج بعد ساعات فقط من طلاقها من البديل، وأن تعود إلى زوجها الأول أيضا بعد ساعات، ولعل أول هذه الأفلام هو (طلاق سعاد هانم) الذى ألفه وأخرجه أنور وجدى 1948 وقامت ببطولته عقيلة راتب وفريد شوقى ومحود شكوكو، وبشارة وكيم، وهو الفيلم الذى أعيد إنتاجه عام 1962 من إخراج نيازى مصطفى باسم (جوز مراتى) من بطولة فريد شوقى وصباح علما بأن عادل إمام قام بدور الزوج البديل مرتين الأولى فى فيلم (زوج تحت الطلب) ومسرحية الواد سيد الشغال، وفى كل هذه الأعمال توجد لدينا نساء مدللات من طبقة اجتماعية راقية، كما أن الزوج الأول هنا رجل ميسور الحال، غير عابئ بالمسئولية، فلذا فإن أسهل كلمة ينطق بها هى الطلاق، ومن أجل رابطة الأسرة وحسبما تقول الشريعة فإنه يجب البحث عن محلل، هذا الرجل يقوم بعمل مؤقت يحصل على مقابل مجز تحت اتفاق بحيث إنه سيقوم بالطلاق بعد ليلة واحدة من هذا الزواج المؤقت، وعادة ما يكون الرجل فقيرا جدا وفى أشد الحاجة إلى الأموال والتجربة، ولكنه بعد أن ينتبه إلى ثروة الأسرة التى ناسبها فإنه يماطل الأسرة ويدخل فى صراع مع الزوج الأسبق وشيئا فشيئا تتولد قصة حب غير متكافئة بين المحلل والزوجة متعددة الرجال، مثلما حدث بين سعاد هانم التى طلقها زوجها حسن فى نفس الليلة التى يصدمه فيها رجل فقير جدا يدعى وحيد وكان يجب عليها ان تراعيه فى بيتها وتحت أعين أفراد أسرتها ومنهم الأب والزوج السابق، وتتم خديعة الزواج البديل باعتبار أن وحيد المصاب قد يموت فى غضون ساعات فتصبح سعاد أرملة وتعود إلى زوجها حسن.
هذا نموذج من القصص الساذجة التى دارت حولها موضوعات أفلام المحلل، حيث نكتشف أن وحيد ليس رجلا عجوزا على شفا الموت، بل هو شاب موفور الصحة، يبدأ فى المعارضة على موضوع الطلاق لعدة أسباب، ويدور الصراع أيضا مع حسن، شيئا فشيئا وعبر الأيام تشعر سعاد بأن وحيد هو الرجل المناسب لها وتقع فى حبه وتطرد حسن من حياتها، نفس الشىء حدث فى فيلم (جوز مراتى) والمحلل هنا هو السباك أو الرجل الشعبى الذى يتم اختياره للقيام بهذا الدور المقيت، والغريب أن هذين الاثنين يتلاقيان فى الأيام الأولى من الزواج ويتحابان، ولعلنا نتذكر كيف تسلل الواد سيد الشغال وتعامل مع زوجته التى أحبته، إنه موضوع سيئ يصر المؤلفون أن يقدموه لنا على طبق ضاحك، أبطاله نجوم كبار من طراز أنور وجدى وعادل أمام وفريد شوقى وغيرهم، وكما نرى فهو موضوع يتعلق بنا وبعقيدتنا كان يحدث فى فترات متقاربة وحسب المسرحية فهو لايزال موجودا حتى الآن، ولعلنى أكتب مقالا عن هذا الفيلم كى أستشهد بمدى تفاهه وسخف الموضوعات التى يميل السينمائيون فى مصر إلى إعادة انتاجها المرة تلو الأخرى بل إنه فى فيلم (زوج تحت الطلب) فإن الموظف الشاب يصبح محللا لأربعة من الرجال الأثرياء ذوى المكانة الاجتماعية الكبرى، وفى النهاية تقع زوجته الرابعة فى عشقة وتهرب معه.
كان يجب كتابه هذا المقال لتنبيه الناس إلى حقيقة ما يشاهدونه، صحيح أن الأمر يتم فيما بيننا لكنه يحذرنا من عدم استخدام جملة، أنتِ طالق، لأن عواقبها جسيمة للغاية، بل لأن تطبيقها أيضا أمر بالغ الصعوبة: الانتظار ثلاثة أشهر، الزواج لليلة واحدة، الطلاق مرة أخرى، الانتظار ثلاثة شهور، والأهم من كل ذلك هو أن الزوجة يجب أن يتم استخدامها جنسيا فى ليلة الزواج وربما أكثر فى أيام تالية، يعنى أن الأمر جسيم جدا ولعل هذه رسالة اجتماعية يحاول المخرج أن يوصلها لنا.
تحيرنى مسألة أن أنور وجدى استعان بالفنانة عقيلة راتب فى فترة كان الثنائى الذى كونه مع زوجته ليلى مراد هو الأنجح، وعقيلة راتب كانت ممثلة من الدرجة الأولى كما أنها كانت مطربة ولكنها لم تكن ابدا فى نفس الرونق والجاذبية التى تتمتع به زوجته ليلى مراد، فلماذا كان يفعل ذلك؟ سؤال ليس له جواب.