صحيفة الشرق الأوسط ــ لندن: الحرب الروسية على أوكرانيا.. إفريقيا الجبهة الخلفية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 6 ديسمبر 2022 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقالا للكاتب عبدالرحمن شلقم بتاريخ 4 ديسمبر تناول فيه ركض القوى الكبرى نحو القارة السمراء منذ القرن الـ18 حتى الآن، فهى تعيش اليوم صراعا عالميا متعدد الأطراف والقوة والأساليب.. نعرض من المقال ما يلى.
الحرب الروسية على أوكرانيا، هى الجولة السياسية الأولى، بقوة السلاح لخلق قيادة أفقية عالمية متعددة الرءوس، بدلا من القيادة الرأسية المركزية المنفردة للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
مسرح العمليات العسكرية الروسية فوق الأراضى الأوكرانية، هو الجبهة المتقدمة لحرب عالمية واسعة. أوكرانيا لا تواجه الجيش الروسى بمفردها، كل أوروبا وأمريكا تخوض الحرب إلى جانب أوكرانيا بقوة الناتو التى تشمل أحدث أنواع الأسلحة، وبالعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة ضد روسيا.
الإنزال العسكرى والسياسى الروسى وراء الخطوط
فتحت روسيا جبهات فى البلطيق بتحرك سياسى فاعل وسط القوى السياسية والشعبية، التى ترفض اندفاع دولها لتأييد الحملة الغربية ضد روسيا، ووسعت روسيا علاقاتها مع الأحزاب الأوروبية التى تتعاطف معها وتتحفظ على التبعية العمياء للولايات المتحدة، وخصوصا فى إيطاليا وفرنسا وألمانيا والمجر.
القارة الأفريقية، هى الحلقة الأضعف والأقوى فى المعادلة الدولية. الركض الدولى نحوها لم يتوقف منذ القرن الثامن عشر، وإن تغيرت الأقدام والخطوات والأساليب والوسائل. روسيا لم تغب عن القارة وكذلك أوروبا الغربية. تحركت قوى أخرى صاعدة اليوم نحو أرض الثروات وفى مقدمتها الصين، التى صارت الحاضر الاقتصادى الأول فى أفريقيا. فى سنة 1917 والسنوات التى سبقتها، تضاعف حجم التجارة الصينية مع أفريقيا سبع عشرة مرة. فى ذات السنة كان حجم التجارة الأمريكية مع أفريقيا 39 مليار دولار، فى حين وصل حجم التجارة الصينية إلى 148 مليار دولار، وفتحت الصين أبواب جامعاتها للطلبة الأفارقة، وشجعت الشباب الصينيين على الهجرة إلى أفريقيا والزواج من الأفريقيات. تركيا تعمل بقوة على توسيع وجودها الاقتصادى والسياسى فى القارة. فرنسا يتراجع وجودها العسكرى والسياسى والاقتصادى فى القارة بشكل غير مسبوق منذ منحها الاستقلال للدول التى كانت تحتلها.
تعيش القارة الأفريقية اليوم صراعا عالميا متعدد الأطراف والقوة والأساليب، وهناك أنزلت روسيا قوتها العسكرية والأمنية والسياسية وراء الخطوط كما يقول العسكريون، أرادتها دنكرك الثانية. روسيا لها إرث قديم قوى فى القارة. ليس لها تاريخ استعمارى، ودعمت حركات التحرير، وتحالفت مع من اعتبرتهم قوى تقدمية فى العهد السوفيتى. تحالفت مع منجستو هيلا مريم فى إثيوبيا ومع سياد برى فى الصومال، قبل أن يتحول إلى موالاة الغرب، وكان لها وجود سياسى فى السودان ومصر وليبيا والجزائر والكونغو الديمقراطية. قدمت السلاح والخبراء العسكريين، ودرس آلاف الضباط فى معاهدها وكلياتها العسكرية، واستقبلت مئات الطلبة الأفارقة فى معهد باتريس لومومبا فى موسكو.
كانت فرنسا هى رأس الوجود العسكرى والسياسى والاقتصادى الغربى فى أفريقيا. المذابح التى شهدتها رواندا أثناء الوجود العسكرى الفرنسى فيها، شكلت صدمة عنيفة لكل القارة، وارتفع السؤال الغاضب، هل يعتبر الغرب الأوروبى الأفارقة بشرا من الدرجة الثانية لا يستحقون التضحية من أجلهم؟ وقبل ذلك ارتفع ذات السؤال فى عهد التمييز العنصرى بجنوب أفريقيا.
العاصفة التى هزت الوجود الغربى فى أفريقيا، كانت الحرب على المجموعات الإرهابية فى منطقة الساحل والصحراء بغرب أفريقيا.
شهدت كل من مالى وبوكينا فاسو انقلابات عسكرية، وفتح القادة الجدد أبواب دولتهم لروسيا. روسيا اليوم لها وجود عسكرى فى 14 دولة أفريقية، ولها ذراع مسلحة، قوات الفاجنر هى الذراع العسكرية الروسية الفاعلة فى كثير من دول القارة. اليوم هى الحاكم فى جمهورية أفريقيا الوسطى، ولها وجود فى موزمبيق. ولروسيا وجود عسكرى فى منطقة بورسودان.
الاستراتيجية الروسية الجديدة فى أفريقيا، حددها وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فى أديس أبابا خلال رحلته الأخيرة إلى عدد من الدول الأفريقية، قال لافروف: سيكون هناك تعاون متزايد فى مجال الطاقة، والبنية التحتية، وتكنولوجيا المعلومات، ولدينا تعاون قديم فى المجال العسكرى، وسنواصل دعم القدرات العسكرية الإثيوبية. وضمن كلمته هاجم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وقال إنه أحاط الأصدقاء الأفارقة بالتطورات فى أوكرانيا. وتم الاتفاق على إقامة عالم متعدد الأقطاب. المزاج السياسى الشعبى الأفريقى، يتفاعل مع الخطاب السياسى الروسى، ويتعاطف معها فى أوكرانيا على أوكرانيا.
القرن الأفريقى، هو الرأس الحاد المتفجر للقارة الضخمة، فيه تتجمع القوى الدولية بقواعد عسكرية تتزاحم فى دولة جيبوتى الصغيرة، رأس القرن المسلح. هى من أصغر دول مساحة، ولكنها الثكنة العسكرية الأكبر فى العالم. بها قواعد عسكرية فرنسية، وأمريكية، ويابانية، وصينية، وقاعدة أوروبية تمثل قوة الاتحاد الأوروبى المشتركة. تسعى دول أخرى لإقامة قواعد عسكرية لها فى رأس القرن الممتلئ بالسلاح.
روسيا تدرك القيمة الاستراتيجية للقرن الأفريقى فى معركتها العالمية مع الغرب الداعم لأوكرانيا، وسيكون وجودها فى إريتريا والصومال وإثيوبيا والسودان، حبالها الضاربة التى تلفها حول قرن القارة الضخمة.