فلسطين فوق هامات الجبال
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 7 أبريل 2019 - 11:50 م
بتوقيت القاهرة
فى تلك الأيام لم يكن للشارع صديق كفلسطين.. تحكى أرصفة الأحياء والمدن صوت ذاك الوطن المغتصب. ينتقل تعب وألم أهلنا فى القدس ونابلس وبيت لحم وحيفا وعكا وغزة إلى البحرين دون وسيط إلا المذياع الذى ينقل كل الأحداث من محطات متعددة وأهمها «صوت العرب».
***
هى وهو وهم كل ما هبت شوارع الوطن الممتد حتى الموجة الأخيرة يملئون الفضاء بالهتافات لفلسطين حاملين علم واحد وروح واحدة.. صوتهم ربما يبدو بعيدا ولكن تبقى فلسطين تسكنهم ككل البشر من فنزويلا حتى آخر شارع وحى وبلدة. ذاك كان جيل يمضى من شوارع المحرق وعند الجسر الأول، حيث لم يكن هناك إلا هو، يتعانقون مع الجموع القادمة من المنامة وكأنهم يقولون للنوارس قولوا لأهلنا هناك إن هذه الأرض من يحس بوجعهم.
***
لم يبق للكثيرين من ذاك الجيل سوى مزيج من الذكريات والأحلام.. فى الأولى يعودون لسنين مليئة ربما بالمحبة وربما بالوفاء وربما بالانتماء بمختلف أنواعه.. الانتماء لوطن واسع.. تشابهت الشوارع وتفاصيل الأحياء على اختلاف المناطق والتاريخ المعمارى الذى هو انعكاس للتاريخ البشرى كما يقول ذاك المعمارى المغمس بالمشاعر الإنسانية فى إحدى مقابلاته.
***
تأتى الهتافات عالية ويرتفع الصوت تدريجيا كلما اقترب الحشد فى الشارع الذى يطل عليه بيتنا بل هو بيت لكل العائلة، هكذا كانت كثير من بيوت البحرين.. نعرف جميعا أنها مظاهرة منددة للاحتلال الإسرائيلى لفلسطين. كانت قريبتى التى تكبرنا بعض الشيء شديدة الحماس للقضايا العربية ومناهضة للاستعمار بكل أشكاله وهى جزء من هذه الحشود المستمرة. كانت كما كثيرات من ذاك الجيل من نساء البحرين والخليج متابعات لقضايا الوطن الذى كان أوسع من أحلام مراهقتهن.
***
رجال ونساء لا تفرقهم المساحات ولا الفتاوى القادمة من العصور المتحجرة التى سماها بعض الجهلة بأنها ذكرت فى الكتب السماوية ليجعلوا من أنفسهم وسطاء بين البشر والخالق.. يسيرون جميعا يدا بيد وهذا الآخر أصبح محرما حسب شيوخ الفتاوى! لم تتوقف تلك حتى عندما نالت البحرين استقلالها كانت فلسطين حاضرة فى وجدان هذا الشعب.. رفعوا شعار مقاطعة البضائع حتى حاول بعضهم أن يضع فلسطين ضمن القضايا المستعصية وردد بعضهم «بلادكم أولا» شعار باهت كهم أصيب بالعدوة منه كثير من الحكم والحكومات فأصبح ممجوجا ومملا، كما أحاديثهم اليومية فى واجهات الصحف..
***
مرت السنين ولم يتوقف هذا الجيل ومن بعده عن حمل فلسطين فى قلوبهم. ارتحل الطلاب إلى الجامعات العربية التى احتضنتهم من القاهرة حتى بغداد. سريعا أنشأ الطلاب اتحادهم «الاتحاد الوطنى لطلبة البحرين» اختلف بعضهم فى الفكر وتخاصم البعض الآخر ولكن بقى الاتحاد يجمعهم من شيوعيين إلى ماركسيين إلى بعثيين وقوميين حتى الماركسيين الجدد وبعض التروتسكيين.. فى كل حفلة لهم كانت فلسطين حاضرة «سأغنى يا فلسطين سأغنى».
***
لم تنته المسيرة هنا بل تشكلت فى البحرين العديد من الجمعيات ضد التطبيع وبقى المجتمع المحلى ومنظماته وهيئاته لا يبد عن قلب القدس كما فى الكويت وفى دول خليجية أخرى.. وكان الجميع يردد على اختلاف مشاربنا وقناعاتنا فلا نجتمع إلا على فلسطين ولا تجمعنا إلا هى.
***
فجأة راح البعض من الإعلاميين والمأزومين والمأجورين وحملة المباخر يرددون ما لنا وما لفلسطين حتى تدنست أرضها كما يقول أهلنا هناك بعربات تحمل أسماء لدول خليجية ومواطنين يحتسون القهوة فى شوارع تل أبيب عجبي! وتتسابق الفرق الرياضية وبعض الجمعيات المشبوهة وغيرها كله بأسماء وادعاءات وتبريرات..
***
ولكن كلما تأزمت الأمور نهض الشارع الخليجى ليقول لا وتبقى فلسطين تسكن قلوب كثيرين من أهل أرض الملح.. وعاد هو يردد سأغنى سأغنى يا فلسطين..