خالد محيى الدين عاشق «التختبوش»
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 7 مايو 2018 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
برحيله يكتمل عقد الراحلين من اعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو التى وصفها فى كتابه «والآن أتكلم»، بالحدث «المهيب الهام» الذى هز مصر «لينطلق بها عبر مسيرة متعرجة استحقت من الكثيرين إعجابا وإشادة، ومن البعض تأييدا مغلفا بالتحفظ، ومن الأقلية استنكارا أو رفضا».. ولذلك ما كان للفارس أن «يتنكر ليوليو أو ينكره أو يتناساه».
هذا هو خالد محيى الدين الذى ناضل من أجل حلم الفقراء فى العدل والحرية أكثر من 75 عاما من عمره المديد، قبل أن يترجل عن صهوة حصانه المجنح الذى خاض من فوقه معارك ثورة يوليو التى لم تكن «حدثا عارضا ولا حلما باردا قفز إلى رجالها «فى لحظة مواتية» بل كان أملا عاش فى قلوبنا الشابة نسجناه معا فى حرص واتقان، وما أجمل أن تمتلك حلما جميلا.
ومن أجل هذا الحلم اختار الفتى، الذى لم يكن تخطى عمره فى نوفمبر 1938 السادسة عشرة سوى بأشهر معدودات، الالتحاق بالكلية الحربية، على عكس رغبة وإغراء والده له بالسفر إلى أمريكا لدراسة الزراعة الحديثة والحصول على الدكتوراه، لكن «الروح الوطنية» دفعته باتجاه الانضمام لصفوف «مصنع الرجال» للمساهمة فى سعى مصر لبناء جيش وطنى يعمل من أجل الوطن، الذى كان يرزح وقتها تحت الاحتلال الانجليزى.
الحلم الذي تملك خالد محيي الدين جمع ثلة من شباب مصر، فكان منطقيا أن يلتقي في الكلية الحربية بمن صنعوا التاريخ بعد ذلك بسنوات، وكان وسط هؤلاء العديد من الاسماء التي انضوت تحت مظلة تنظيم الضباط الاحرار منها : مجدي حسنين ( الذي ارتبط اسمه عقب الثورة بمشروع مديرية التحرير)، ولطفي واكد ( الذي تزينت ترويسة جريدة الأهالي باسمه كرئيس مجلس إدارة ابان تألقها في ثمانينيات القرن الماضي)، وثروت عكاشة القامة الثقافية الكبرى، والبطل أحمد عبد العزيز، ويوسف صديق، وزكريا محيي الدين، وصلاح سالم ،وكمال الدين حسين، وغيرهم ممن ارتبطت اسماؤهم بالمعارك الكبرى في كل ميدان.
أما عن قصة تعارفه بالرمز الأهم لثورة يوليو فيقول: «كنا فى نهاية عام 1944، وكانت الحيرة تغلفنا جميعا بحثا عن طريق لنا ولمصر، وذات يوم مر على عبدالمنعم عبدالرءوف وعرض على أن نلتقى بضابط آخر يحمل ذات الهموم ويبحث عن إجابات لذات الاسئلة، وأخذنى لأقابل جمال عبدالناصر».
ربما تكون تفاصيل أزمة مارس 1954، وانحياز خالد محيى الدين لما اسماه «الثورة والديمقراطية»، استحوذت على جانب كبير من مذكراته، ورغم خلافه مع عبدالناصر فى المحصلة النهائية لهذه الأزمة، واستبعاده للعيش فى سويسرا، لم يترك الأمر فى نفسه أى ضغينة لجمال عبدالناصر، وكان خالد محيى الدين وحزب التجمع، الذى أسسه بعد عودة الاحزاب فى سبعينيات القرن الماضى، فى طليعة من دافعوا عن أبوخالد وثورة يوليو ضد الهجمة الشرسة التى حاولت النيل من محطة مهمة فى عمر مصر وتشويهها.
فى محراب حزب التجمع «1 شارع كريم الدولة بوسط القاهرة» وفى صالة احتفالاته الكبرى التى تحمل اسم عبدالناصر، كنت محظوظا بالاستماع إلى صوت الراحل الكبير عشرات المرات وهو يصول ويجول عارضا وجهة نظر اليسار بكل القضايا التى كانت تمر بها مصر طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين.
ومن داخل هذا الحزب الذى ضم يوما حكومة ظل كاملة تميزت بأقوى مجموعة اقتصادية على الإطلاق، وشملت اسماء وزراء سابقين وخبراء اقتصاد كبار فى وزن الدكتور فؤاد مرسى، والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، والدكتور إبراهيم سعدالدين، رحمهم الله، خاض خالد محيى الدين العديد من المعارك الوطنية التى جعلته، وبحق، رمز اليسار الأول فى مصر.
رحم الله ابن الأثرياء الذى انحاز لرواد التختبوش «المضيفة» فى كفر شكر، وهو يلعب الكرة الشراب فوق تراب القرية بحماس واندماج «شبه كامل» مع ابناء الفلاحين، مسقطا كل الفوارق الطبقية.