الشرق الأوسط فى المائة يوم الأولى من حكم ترامب
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
الأربعاء 7 مايو 2025 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
بالنظر إلى التقليد المعروف فى تقييم السياسات الأمريكية من خلال مراجعة أداء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية خلال أول 100 يوم له فى الحكم، سنقتصر فى هذا المقال على ما أعلنه أو قام به الرئيس ترامب وإدارته وما تبنوه من سياسات ومواقف فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المذكورة، بالإضافة إلى آفاق تلك السياسات والسيناريوهات المستقبلية المحتملة لتطور تلك السياسات.
كما هو الحال فى العديد من الملفات الأخرى، سواء الداخلية أو الخارجية، أثبت الرئيس الأمريكى، فى نهاية أول 100 يوم له فى الحكم، إزاء بعض القضايا، وعلى عكس ما بدا واضحًا خلال أيامه الأولى، أنه ليس دائمًا متشددًا أيديولوجيًا، ولا فى كل الأحوال رئيسًا جاء إلى الحكم بأجندة دوجماطيقية يمينية جامدة وغير قابلة للتغيير أو لإدخال المرونة عليها. بل أثبت حتى الآن أنه فى بعض الحالات يتمتع بعقلية واقعية وبراجماتية وعملية للغاية، وهى أقرب ما تكون إلى عقلية مفاوضى العقود العقارية منها إلى زعيم سياسى يسعى إلى فرض أجندة جامدة ومعدة مسبقًا وغير قابلة للنقاش.
القضية الأهم التى سنتناولها هنا فيما يتعلق بالشرق الأوسط هى الحرب الإسرائيلية على غزة، وهناك أكثر من جانب تعامل معه الرئيس الأمريكى خلال الأيام الـ100 الماضية بشأن هذه الحرب.
أولًا، من اللافت أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو كان أول زعيم أجنبى يزور الرئيس ترامب بعد توليه المنصب. وقد جاء ذلك فى سياق العلاقات القوية والتحالف الاستراتيجى بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وبينما حاولت إدارة بايدن الديمقراطية السابقة ــ بين الحين والآخر ــ اتخاذ خطوات لإيقاف الحرب فى غزة من خلال محاولة الضغط على الحكومة الإسرائيلية أو إقناعها بذلك، بدت إدارة ترامب وكأنها منحت الحكومة الإسرائيلية «شيكًا على بياض» لمواصلة الحرب دون قيود، بل ولاستئناف العمليات العسكرية فى غزة بعد فترة قصيرة من الالتزام بوقف إطلاق النار الذى توسطت لتحقيقه مصر وقطر، وضمنت تنفيذه الإدارة الأمريكية السابقة.
ثانيًا، خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى، طرح الرئيس ترامب لأول مرة وبدون مقدمات اقتراحًا لتحويل غزة إلى ما أسماه «ريفييرا الشرق»، وذلك بعد أن يتم وضعها تحت السيطرة الأمريكية، وبعد تنفيذ خطة لإفراغها من سكانها بإرسالهم إلى دول عربية أخرى لتوطينهم فيها، خاصة مصر والأردن. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية بدت فى البداية مصممة على تنفيذ هذه الخطة مهما كان الثمن، إلا أنها عندما أدركت أن الخطة تواجه رفضًا قاطعًا من جميع الدول العربية، بما فى ذلك الفلسطينيون أنفسهم بالطبع، فضلًا عن معظم الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، ربما باستثناء إسرائيل فقط، بدأت بالتراجع عن ذلك المقترح.
تبلور الرفض العربى لخطة الرئيس الأمريكى بشكل خاص فى رفض قاطع لتوطين الفلسطينيين من غزة فى دول عربية أخرى، لا سيما مصر والأردن، وقد أعقب ذلك عقد قمة عربية محدودة فى السعودية، ثم قمة عربية موسعة فى مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، والتى اعتمدت وتبنت خطة قدمتها مصر لإعادة إعمار قطاع غزة. وقد أدت هذه التطورات إلى تراجع تدريجى فى موقف الإدارة الأمريكية عن فكرة إنشاء «ريفييرا الشرق» فى غزة.
ثالثًا، تبنى الرئيس ترامب خلال الفترة محل التغطية موقفًا واضحًا وقاطعًا فى دعم الحكومة الإسرائيلية فى مواجهة جميع المحاولات الرامية إلى محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلى وبعض وزرائه وبعض قادة الجيش الإسرائيلى أمام العدالة الدولية، على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب غزة. ولا تزال بعض هذه المحاولات جارية، خصوصًا على مستوى كل من محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
بل إن إدارة الرئيس الجمهورى ترامب ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث بدأت تنظر فى اتخاذ إجراءات ضد أفراد، خصوصًا إذا كانوا مواطنين أمريكيين، ومؤسسات، خصوصًا إذا كانت مسجلة فى الولايات المتحدة، ممن أبدوا دعمًا أو تضامنًا مع تلك المحاولات الرامية إلى تجريم السياسات التى انتهجها مسئولون فى الحكومة الإسرائيلية وفى الجيش وفى بعض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة. وفى هذه النقطة، من الواضح أن الإدارة الأمريكية حافظت على موقف صارم وثابت فى دعم الحكومة الإسرائيلية، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى تتعلق بالمواقف الدولية التى تدين التجاوزات الإسرائيلية فى حرب غزة، أو تتعلق بالأوضاع الإنسانية فى القطاع.
أما التطور الآخر الكبير الذى حدث فى منطقة الشرق الأوسط خلال أول 100 يوم من ولاية الرئيس الأمريكى ترامب فهو «الملف الإيرانى». فبينما بدأ ترامب رئاسته بلغة شديدة اللهجة وأحيانًا تهديدية بل وعدائية تجاه الحكومة الإيرانية، لا سيما فيما يتعلق بالملف النووى الإيرانى، ولكن أيضًا فيما يتعلق بشبكة الحلفاء الموالين لإيران فى الشرق الأوسط وما ترى فيهم واشنطن تهديدًا لأمن كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، مما أعطى انطباعًا لدى بعض المراقبين بأن مواجهة عسكرية وشيكة، بل وحتمية، قد تقع بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الإدارة الأمريكية تحولت لاحقًا إلى مسار معاكس تمامًا. إذ وافقت على بدء محادثات غير مباشرة مع إيران فى مسقط حول الملف النووى الإيرانى، وأعلن مسئولون أمريكيون عن أن تقييمهم لهذه المحادثات بعد أسبوعها الأول بأنها إيجابية وتحقق تقدمًا.
وعلى الرغم من أن بعض المحللين كانوا متشائمين بشأن فرص نجاح المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووى الإيرانى، وربما ملفات أخرى ذات صلة، وذلك لأن إدارة ترامب الجمهورية كانت هى من أعلنت فى عام 2018 انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى السابق الذى أبرمته إدارة أوباما الديمقراطية مع الحكومة الإيرانية فى 2015، إلا أن هؤلاء المحللين غالبًا ما يتجاهلون أن إدارة جمهورية سابقة، وهى إدارة ريجان الأولى، كانت قد نجحت فى التوصل إلى اتفاق مع إيران فى يناير 1981 لحل أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين آنذاك فى سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بطهران، وهى الأزمة التى بدأت فى عهد إدارة كارتر الديمقراطية فى نوفمبر 1979.
لذا، هناك أسباب وجيهة تدعو للتفاؤل بشأن احتمالات التوصل إلى نتائج إيجابية فى المحادثات الأمريكية الإيرانية الجارية بشأن الملف النووى الإيرانى، وربما تمتد إلى ملفات عسكرية وغير عسكرية أخرى متعلقة بالدور الإيرانى فى الشرق الأوسط، رغم الرسائل الواضحة والمتكررة من الحكومة الإيرانية حتى الآن بأنها لن تقبل بتوسيع المحادثات لتتجاوز الملف النووى ومسألة رفع العقوبات المفروضة على إيران المرتبطة به.