مستقبل مقلق.. تداعيات التصحر فى إفريقيا
العالم يفكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 يونيو 2022 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا بتاريخ 5 يونيو للكاتبة هايدى الشافعى، تناولت فيه أسباب وتداعيات ظاهرة التصحر فى إفريقيا، وأهم الوسائل والقرارات الواجب اتخاذها لاستعادة الأراضى وتخفيف آثار الجفاف... نعرض من المقال ما يلى:
فى محاولة لاتخاذ إجراءات ملموسة ضد التدهور السريع للأراضى والاستجابة لحالة الطوارئ المناخية، شهدت مدينة أبيدجان عقد مؤتمر الأطراف الخامس عشر (COP15) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر خلال الفترة من 9 حتى 20 مايو الماضى، بحضور العديد من رؤساء الدول الإفريقية، إلى جانب وزراء ومندوبين من الأطراف الـ196 فى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وأعضاء من القطاع الخاص والمجتمع المدنى والنساء وقادة الشباب ووسائل الإعلام.
تأتى القمة فى أبيدجان على خلفية التحذير الشديد الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بأن ما يصل إلى 40% من جميع الأراضى الخالية من الجليد قد تدهورت بالفعل، وفى الوقت الذى تواجه فيه العديد من الدول الإفريقية، ولا سيما فى منطقة الساحل والقرن الإفريقى، موجات جفاف ممتدة، ومستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائى.
أبعاد ظاهرة التصحر فى إفريقيا
من المفيد فى هذا الصدد الوقوف على الوضع الحالى للتصحر فى إفريقيا، باعتبارها القارة الأكثر تضررا من هذه الظاهرة، وما يمكن أن تحمله من تداعيات اقتصادية واجتماعية وبيئية لشعوب القارة.
يعتبر التصحر مشكلة خطيرة تمتد عبر مناطق مختلفة فى جميع أنحاء العالم، حيث يتدهور كل عام نحو 12 مليون هكتار من الأراضى، أى ما يعادل مساحة دولة بلجيكا أو بنين، لكنها منتشرة بشكل خاص فى إفريقيا، حيث تفقد القارة الإفريقية نحو 4.4 مليون هكتار إضافية من الأراضى كل عام، وذلك بمعدل زيادة متسارع عن 3.4 مليون هكتار سنويا كانت تفقدها إفريقيا خلال العقد 2000ــ2010، وتدهور ما يقدر بنحو 65% من الأراضى الصالحة للزراعة، و30٪ من أراضى الرعى و20٪ من الغابات، وهو ما يكلف القارة 68 مليار دولار سنويا، ويؤثر على 180 مليون شخص، معظمهم من فقراء الريف.
الأسباب والتداعيات
يقصد بالتصحر تدهور الأراضى فى المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، وهى ظاهرة متداخلة ومعقدة، ناتجة بشكل أساسى عن عدة عوامل، بعضها متعلق بالتغيرات المناخية التى اشتدت وتيرتها فى السنوات الأخيرة، من فيضانات وجفاف وحرائق، والبعض الآخر ناتج عن تدخلات بشرية مثل الإفراط فى الزراعة، والرعى الجائر، واحتجاز المياه، وإزالة الغابات، كما تساهم الأنشطة الزراعية السيئة، فى نحو خُمس التصحر فى إفريقيا. بالإضافة لذلك، تسهم عوامل مثل الفقر والزيادة السكانية فى ارتفاع معدلات التصحر، حيث يضطر السكان إلى الاستمرار فى زراعة الأراضى فى كل فصول السنة دون إيلائها الرعاية اللازمة، مما يؤدى إلى تعرية التربة وتعرضها للتصحر سريعا.
من جهة أخرى، يؤدى فقدان الأراضى الصحية، وتراجع غلات المحاصيل، نتيجة عملية التصحر، إلى عدم توافر الغذاء الكافى للأفراد، مما يستدعى عمليات نزوح داخلية للبحث عن أراضٍ صالحة للزراعة، ومن ثم زراعتها بطرق مكثفة من أجل إنتاج أكبر كمية ممكنة من المحصول، وهو ما يؤدى إلى تدهور التربة وتعريتها، والتى تمثل بداية عملية التصحر.
فضلا عن التداعيات الأمنية والاقتصادية الأخرى المحتملة نتيجة عمليات الهجرة والنزوح الجماعى من منطقة لأخرى بحثا عن الأراضى الخصبة والمياه، حيث يعد التصحُر والجفاف من أهم الأسباب البيئية للهجرة والنزوح حول مناطق المياه والرعى، مما يؤدى إلى زيادة الضغط على الأراضى الزراعية فى البلاد المستقبلة، وهو ما يزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وفى ظل الموارد المائية والغذائية المحدودة، قد تندلع الصراعات، مما يُسفِر عن مزيد من المجاعات، وزيادة القلاقل الاجتماعية والاقتصادية.
مؤتمر الأطراف الخامس عشر: قرارات واسعة والتزامات محدودة
بعد ما يقرب من أسبوعين من المحادثات حول التصحر والجفاف، اختتم مؤتمر الأطراف الخامس عشر لمكافحة التصحر يوم الجمعة 20 مايو الماضى فى أبيدجان، مع تبنى 38 قرارا للاستثمار فى استعادة الأراضى وتخفيف آثار الجفاف، كان أبرزها: تسريع استعادة مليار هكتار من الأراضى المتدهورة بحلول عام 2030، وتعزيز مقاومة الجفاف من خلال تحجيم توسع الأراضى الجافة، وتحسين السياسات الوطنية والإنذار المبكر، والرصد والتقييم، وتعبئة التمويل لمكافحة الجفاف، بالإضافة إلى إنشاء فريق عمل حكومى دولى معنى بالجفاف للفترة 2022ــ2024 للنظر فى الخيارات الممكنة، لدعم التحول من رد الفعل إلى إدارة الجفاف الاستباقية.
فضلا عن خلق فرص اجتماعية واقتصادية تزيد من مرونة الريف واستقرار سبل العيش، وتعبئة الموارد اللازمة لمشاريع استعادة الأراضى، وذلك كمساهمة فى معالجة الهجرة القسرية والنزوح الناجمين عن التصحر وتدهور الأراضى. هذا إلى جانب دعم مشاركة المرأة والشباب فى العمليات والمشاريع التى تنبثق عن اتفاقية مكافحة التصحر.
علاوة على ذلك، تعهدت الأطراف بمعالجة العواصف الرملية والترابية وغيرها من مخاطر الكوارث المتصاعدة من خلال تصميم وتنفيذ الخطط والسياسات، بما فى ذلك الإنذار المبكر وتقييم المخاطر، والتخفيف من الأسباب البشرية لهذه العواصف.
وبالإضافة إلى القرارات الرئيسية، تضمنت النتائج المهمة الأخرى لمؤتمر الأطراف الخامس عشر ثلاثة إعلانات رئيسية:
1ــ نداء أبيدجان: وهو برنامج رئيسى لتعبئة 1.5 مليار دولار على مدى خمس سنوات لاستعادة «النظم الإيكولوجية للغابات المتدهورة فى كوت ديفوار» وتعزيز الإدارة المستدامة للتربة، فى كوت ديفوار التى فقدت 80% مساحة غاباتها بسبب التصحر، مع إمكانية تكييف المبادرة لتصلح لباقى الدول، وتتضمن المبادرة أربعة محاور، تشمل: محاربة إزالة الغابات واستعادة الغابات المتدهورة؛ وضمان الأمن الغذائى من خلال التكثيف المستدام لإنتاج الغذاء؛ وجعل سلاسل القيمة الحالية أكثر استدامة بدون تصحر؛ وتحديد سلاسل القيمة الجديدة المقاومة للمناخ.
وفور إطلاق المبادرة، أعلن بنك التنمية الأفريقى عن خطط لتعبئة 500 مليون دولار أمريكى لدعم التنفيذ، بالإضافة إلى تعبئة 502 مليون يورو من الاتحاد الأوروبى وبنك الاستثمار الأوروبى، و50 مليون يورو من ألمانيا.
2 ــ إعلان أبيدجان بشأن تحقيق المساواة بين الجنسين من أجل الاستعادة الناجحة للأراضى، ويهدف من بين أمور أخرى إلى: إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة فيما يخص تملك الأراضى، والمشاركة الكاملة والمتساوية والفعالة فى إدارتها على المستوى الإقليمى والوطنى، وتسهيل وصول النساء إلى التكنولوجيا والموارد للمشاركة فى جهود استعادة الأراضى المتدهورة، فضلا عن العمل على إدراج معايير المساواة بين الجنسين فى تطوير ومنح التمويل من أجل الإدارة المستدامة للأراضى، واستعادة الأراضى والتأهب للجفاف والقدرة على الصمود.
3 ــ إعلان COP15 «الأرض والحياة والإرث»: وتضمن تطلعات وأهدافا طموحة، أبرزها: دعوة الدول الأطراف لاتباع نهج منهجى فى حفظ الأراضى واستعادتها، وكذلك الإدارة المستدامة لعكس مسار تدهور الأراضى، بالإضافة إلى دعوة الأطراف إلى السعى لزيادة فعالية الشراكات والتمويل والتعاون على جميع المستويات، وتعزيز الاستثمارات الموجهة لمكافحة التصحر والدعم التكنولوجى والتقنى، وحث الدول على اتباع نهج استباقى وشامل تجاه العواصف الرملية والتخفيف من آثار الجفاف، والتحرك نحو أنظمة أغذية أكثر استدامة، فضلا عن الحاجة إلى زيادة تعميم المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات فى التنمية المتعلقة بالتصحر/ تدهور الأراضى، والسياسات والأنشطة المتعلقة بالجفاف داخل السياق الوطنى.
ختاما، على الرغم من الأهمية القصوى لظاهرة التصحر وتأثيراتها الواسعة، إلا أن مؤتمر مكافحة التصحر لا يحظى بذات الاهتمام العالمى لمؤتمر التغيرات المناخية، وهو ما يفسر ضآلة الالتزامات الدولية خلال المؤتمر وعموميتها. فعلى الرغم من تبنى 38 قرارا وثلاثة إعلانات خلال جلسات المؤتمر، إلا أنها تبدو أهدافا وطموحات عامة، ولا ترقى إلى التزامات فعلية، باستثناء الاستثمارات الموجهة لمبادرة أبيدجان، وإنشاء فريق العمل الحكومى المعنى بالجفاف. ومع ذلك، يمكن أن تمثل قمة المناخ «cop27» المقرر عقدها فى مصر نوفمبر 2022، فرصة أخرى لدول القارة الإفريقية لانتزاع مزيد من الالتزامات الدولية الأكثر تحديدا، لمساعدة الدول الأفريقية فى إحراز بعض التقدم فى التزاماتها نحو قضايا التغيرات المناخية، بما فى ذلك مكافحة التصحر، لأن الأضرار المترتبة على عدم الالتزام، أو النتائج المرجوة منه، لن تقف تأثيراتها عند حدود القارة، وستمتد للكوكب بأكمله.
النص الأصلى: هنا