اللغز السورى
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 7 يونيو 2025 - 5:20 م
بتوقيت القاهرة
أصبح الوضع فى سوريا لغزا ما بعده لغز، ولم يعد يُعرف من هو الصديق أو العدو فهناك تخبط كبير فى السياسة الدولية تجاه الوضع الجديد فى سوريا منذ أن جاء دخول المعارضة السورية إلى العاصمة فى مرحلة أثناء فراغ سياسى فى واشنطن، حيث لم يكن دونالد ترامب قد تسلم بعد، وحيث انتهت عمليا ولاية جو بايدن. فكانت المرحلة لمصلحة هيئة تحرير الشام وإخوتها على نظام الأسد، البيروقراطية الأمريكية الخارجية سارعت إلى الاتصال والتواصل مع السلطات الجديدة فى دمشق، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبى.
ومرت مرحلة ضبابية حول الموقفين العربى والغربى من السلطات الجديدة. بالطبع كانت الحكومة التركية التى يقودها حزب «العدالة والتنمية» أول المعترفين بقيادة الرئيس أحمد الشرع. والموقف العربى تطور بسرعة، حيث مرت مرحلة متأرجحة حتى وصول ترامب إلى المكتب البيضاوى فى 20 يناير الماضى. إلا أن الدولة العربية الأولى التى اعترفت بسلطة الحكومة الجديدة كانت قطر، بتنسيق مع تركيا. أما الولايات المتحدة والغرب فقد تمهلا وانقسمت طواقمهما بين مؤيد للاعتراف ومعارض له. فقد عارضت الأوساط المؤيدة لإسرائيل التواصل مع القوة العسكرية الإسلامية وصرح مدير دائرة مكافحة الإرهاب فى البيت الأبيض بأن «أمريكا غير قادرة على التعاطى مع المتشددين، وإنهم على لوائحنا». كما تحرك عدد من المقربين من الرئيس ترامب من أوساط رجال الأعمال وطالبوا بالتواصل مع الحكم الجديد للتوصل إلى الموارد الهائلة التى أراد محور طهران - موسكو - وآل الأسد السيطرة عليها. وانقسم المستشارون الرسميون إلى جناحين، مما أجّل البت فى الاعتراف بالحكومة الجديدة.
فقد شكّل هذا الاستيلاء تطورين: التطور الأول كان سيطرة «هيئة تحرير الشام» وحلفائها على معظم سوريا والعاصمة دمشق فى ديسمبر 2024، وكان التساؤل المستمر حول مستقبل السلطة الجديدة: فهل ستصمد أم تتهاوى أم تسيطر على جزء من البلاد، أم أنها ستحظى بالاعتراف؟ أما التطور الثانى فحدث بعد أن تم الاعتراف بالسلطة الجديدة فى دمشق من قبل القمم الخليجية - الأمريكية خلال مايو الماضى، وركزت التساؤلات حول التطور الثانى على شروط أمريكا والغرب لاستكمال الاعتراف والدعم للحكم فى دمشق. فلنستعرض تطور موقف الإدارة من التطورين.
وجاءت أحداث الساحل مع العلويين، والاختلافات مع الأكراد، والصدام مع الدروز والمنغصات للمسيحيين إضافة للضربات الإسرائيلية فى سوريا، خصوصا الجنوب، لتؤجل قرار التعاطى مع ملف سوريا فى واشنطن. ولكن الموقف العربى بدأ يتغير، فقامت السعودية والإمارات والبحرين بدعوة الرئيس السورى واعترفت بشرعيته لحكم سوريا. أما فى واشنطن فبدأ اللين مع النظام الجديد خاصة أن ترامب قد طلب من مستشاره ستيف ويتكوف إدارة مفاوضات لإنهاء المواجهات مع الحوثيين و«حماس» و«حزب الله» والنظام الإيرانى فى نفس الوقت تقريبا. وفى هكذا أجواء، تم التوافق على إجراء ثلاث زيارات لترامب إلى الرياض والدوحة وأبو ظبى لإرساء جسور التعاون الأمريكى الخليجى. وفاجأ ترامب العالم بأنه استقبل الرئيس السورى خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، وأغدق عليه بالمدح وقرر رفع العقوبات عن الدولة السورية. وكان قرار ترامب بتغيير سياسة واشنطن تجاه دمشق حاسما وسريعا، فوجه إدارته لإسقاط القرارات التنفيذية بحق سوريا والعمل على دعم الحكم وتجهيزه وتسليحه ليتحول إلى شريك لواشنطن تدريجيا.
موضوع واحد شددت عليه كل أجهزة الحكومات الغربية وأجهزتها الأمنية، هو موقع الجماعات الأجنبية المقاتلة التى انضمت سابقا إلى فصائل المعارضة قبل ذلك. فقد وضعت الولايات المتحدة شرطا بإقصاء هذه المجموعات من مؤسسات الدولة السورية. إلا أن المفاوضات الأخيرة سمحت «للمقاتلين الأجانب» بأن يتم استيعابهم فى وزارتى الدفاع والداخلية ولكن ضمن شرط أخير وهو ألا يُسلَّموا مسئوليات حساسة. فالجيش الأمريكى قد يزود السلطة بمعلومات دقيقة تتعلق بتنظيم «داعش» وتنظيمات أخرى شبيهة بالجماعات الإسلامية القتالية فى سوريا.
ومن أهم التحركات هى زيارة لدمشق من قبل وزير الدفاع الأمريكى للاطلاع على «حاجات الدولة السورية من السلاح»، مما يعنى أن ترامب يضع العلاقات الجديدة مع الحكومة الجديدة فوق القلق السائد فى واشنطن حول هوية السلطة العقائدية والتاريخية. أى بكلام آخر، أن يكونوا على لائحة الإرهاب أم لا، فخيار البيت الأبيض هو تثبيت الاستثمار الخليجى وخصوصا فى سوريا، بغض النظر عن هوية ونوايا المعارضة سابقا والدولة حاليا.
الذى يجرى فى سوريا ليس بعيدا عنا خاصة أن مصر وسوريا لهما علاقات وطيدة منذ قديم الأزل ووجود جالية سورية كبيرة الآن تجعلنا نشخص نظرنا بتدقيق لما يجرى هناك حتى لا نفاجئ بأزمات وتوترات وانقسامات فخبرتنا مع المنظمات الإرهابية والمتطرفة كبيرة جدا فليكن حضورنا قويا أيضا.