مجلس الأمن لن يتحرك المهم أن نتحرك نحن
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأربعاء 7 يوليه 2021 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
مساء الخميس الماضى، قال رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر الفرنسى نيكولا دو ريفيير، إن المجلس، سوف يجتمع اليوم الخميس لبحث أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى.
لكن هذا الدبلوماسى ــ وهو أيضا سفير فرنسا فى المجلس ــ صدم المصريين والسودانيين، حينما قال إن «المجلس ليس لديه الكثير الذى يمكنه أن يقوم به فى الأزمة، ولا يوجد لدينا سوى جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفهم، ثم تشجيعهم للعودة إلى المفاوضات، للوصول إلى حل»، بحسب الخبر الذى نقلته وكالة رويترز.
دو ريفيير قال أيضا إن المجلس ليس الجهة التى يمكنها أن تتولى توزيع الحصص المائية لكل دولة.
السؤال: صحيح أن كلام دو ريفيير يفتقر للدبلوماسية، ويصادر على اجتماع اليوم فى نيويورك، لكن هل الكلام صادم ومحبط لنا كمصريين وسودانيين؟.
الإجابة السريعة هى نعم لكن أى شخص متابع لهذا الملف، ولصلاحيات مجلس الأمن ودوره فى المشاكل والقضايا المشابهة، يعرف أن ما قاله الدبلوماسى هو أمر متوقع ومعروف ولا توجد به أى مفاجأة.
كل خبراء القانون الدولى، قالوا بوضوح إن مجلس الأمن، لن يحل هذه المشكلة، لأسباب كثيرة منها، أن مواقف الدول الخمس الكبرى متناقضة داخل المجلس، فالصين تؤيد إثيوبيا إلى حد ما، ليس فقط بسبب استثماراتها الكبيرة هناك، ولكن خوفا من أن يتحول تدخل مجلس الأمن فى حسم قضايا المياه، إلى سابقة يتم القياس عليها لاحقا، خصوصا أن الصين وهى دولة منابع أنهار، لديها مشاكل مماثلة مع جيرانها بشأن نفس المشكلة، وحتى الدول الكبرى التى تطلق تصريحات تبدو مؤيدة لموقفنا، فهى فى الواقع لديها حسابات معقدة، ومصالح مع إثيوبيا وأفريقيا، تمنعها من اتخاذ مواقف حاسمة لصالحنا.
مجلس الأمن، حينما ذهبت إليه مصر فى العام الماضى، لم يكلف نفسه حتى بالاجتماع الكامل واجتمع بشكل عاجل وشكلى، ولم ينظر فى الطلب المصرى وقتها بجدية، بل قام بتحويله إلى الاتحاد الإفريقى، الذى كانت ترأسه وقتها جنوب أفريقيا، التى خدعتنا فى مفاوضات عبثية مكنت إثيوبيا من تثبيت الكثير من الأوضاع لصالحها.
سيقول البعض، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا أرسلت مصر مذكرة مطولة قبل أيام إلى مجلس الأمن، تشرح فيها الأمر وتطالب فيه المجلس بالتدخل، على أساس أن ما تفعله إثيوبيا يشكل تهديدا للأمن والسلام فى المنطقة، وينذر بتفجر الأوضاع هناك؟!
الإجابة أن مصر تدرك بوضوح أن مجلس الأمن والهيئات الدولية الكثيرة لن تفعل شيئا ذا بال فى هذه القضية، لكن ما تفعله القاهرة هو الصواب حتى يكون موقفنا واضحا وقويا ويتفق مع القانون الدولى.
ما تفعله مصر هو أنها «تستف وتستوفى الأوراق كاملة»، حتى إذا دقت ساعة الحقيقة، يمكنها أن تقول للعالم كله، لقد فعلنا كل ما فى وسعنا. فقد فاوضنا لمدة عشر سنوات كاملة، وتحملنا المراوغات والأكاذيب الإثيوبية.
مصر أرسلت مبعوثين لشرح وجهة نظرها للدول الأفريقية والدول الكبرى، بل أثبتت حسن نيتها مع إثيوبيا، والرئيس السيسى زار أديس أبابا أكثر من مرة، وخاطب الشعب الإثيوبى عبر برلمانهم قائلا لهم: «نحن نؤيدكم فى عملية التنمية، لكن بشرط ألا تكون على حسابنا».
التحرك الدبلوماسى والسياسى المصرى، لن يمكن أى دولة أو منظمة دولية على لوم مصر أو إدانتها، إذا قررت أن تتحرك للدفاع عن مصالحها وحقوقها المائية التاريخية، وحماية مستقبل مواطنيها ومستقبل أولادهم وأحفادهم.
مرة أخرى مجلس الأمن لن يفعل شيئا خطيرا، وهو بوضعه الحالى مفيد لإثيوبيا أكثر منا بكثير. وفى أفضل الأوضاع سيدعو الأطراف إلى التفاوض خلال مدى زمنى محدد والوصول لاتفاق خلال ٦ شهور.
نحن شبعنا ومللنا من المفاوضات التى تدعونا الدول الكبرى والصغرى على أن نواصلها بلا كلل أو ملل أو توقف. جيد أن نشرح موقفنا للعالم أجمع فى هذه القضية المهمة والحيوية والحساسة، لكن عند نقطة معينة ينبغى أن نتحرك ونحسم الأمر، ولا مانع أن يجتمع مجلس الأمن بعدها ليصدر بيانا يعبر فيه عن قلقه أو حتى إدانتنا!!.. المهم ألا نواصل هذا المسلسل التفاوضى العبثى مع إثيوبيا، ونوقف لعبتها الشريرة التى تكاد تنجح فيها.